خفقة القلب (10)

أجلس على مقعد ذاكرتي ، أسرح مع طيفها وتأتيني أوقات تجعلني أفكر فيها طويلاً ، شيء ما شدّني إليها وجعلني أتعلق بها ، شيء ما أنبأني بأن هذه الفتاة ستترك في حياتي حباً لا ينسى ، تلك الفتاة هبة رمتها السماء إليّ، عيناها تجبراني على أن أحلم بهما في نومي ويقظتي ، شعرتُ معها أنني أعيش الحياة لأول مرة ! أصبحتُ أعيشُ في كوكب آخر بملء رئتي ، بملء حواسي ، كل الأشياء التي أصادفها لن تتكرر، أيام لا تجدد مرة أخرى.. لماذا خلق هذا الشعور وكيف ينمو في القلب ؟! لماذا يوجد انسان يجذبك وانسان لا تتأثر به مطلقاً ؟!إنه الحب لا يعرف سوى الأحاسيس والمشاعر المولودة ساعة دقات القلب الصافي..الفرح يسكنني، كيف سأنقل للعالم عدوى سعادتي وشهيتي للحياة ؟ عجيبة هي الحياة ، أنت تركض خلف الأشياء لاهثاً فتهرب الأشياء منك ، وما تكاد تجلس وتقنع نفسك بأنها لا تستحق كل هذا الركض حتى تأتيك لاهثة !

في ساعة متأخرة من نوبة الشوق داهمني حبها وبلغ سن الرشد مبكراً ، ونما سريعاً دون أن يحتاج أن يضرب جذوره ويمد أغصانه وتفرعاته ، لم أكن بحاجة إلى انتظار أزهار الحب وثماره ، لأن البرق الذي ولد بيننا من شرارة عينيها ولدّ الحب مكتملاً ناضجاً ، أخرجه من مخبئه كما يخرج الرعد الفطور والكمه من
الأرض !

روائح أنفاسها تتسلل إلى كتاباتي ،لا أدري لماذا أيقظت لدي المزيد من الرغبة والشهوة في الكتابة عنها، ووجدتني غنياً بالكلمات التي لم تكن تعرف بعد إلى أين ستذهب ، وجعلني أعودُ إلى وصفها كمن يزرع شتلة وردة عند كل منعطف كلام ، وكأنني وأنا أفتش في مزهرية ذاكرتي قد شممتُ رائحة الذكريات وعثرتُ على بعض الكلمات التي كانت مخبأة في جدران زواياها، ، وكيف لا أذكر تلك التفاصيل وهي الفتاة الأولى في حياتي وحواء قلبي ؟ لا أدري ما أن رميت نفسي في أحضان الكتابة عنها حتى وجدت صعوبة في إيجاد تعابير لأحاسيسي وأفكاري وضعف قدرتي على تطويع اللغة ؟!رحتُ أستدعي الكلمات في أبهى حليّها وزينتها ، وأقبض عليها من عنقها وأُلبسها ثوب الخيال ،فما أقسى أن تختار بين من تحب من الكلمات ومن تحب من ظلال الكلمات !

منذ رأيتها هجر النوم عيني ، ارتديت رداء الحب ،وبدأ الربيع يغزو قلبي، وبدأتْ تتسلل إلى أحلامي العذراء، وانعطف مسار حياتي وتبدل إيقاعها، وتغيرتْ أنغام الحساسين والبلابل وصار للحياة طعم آخر، نار تتدفق في صدري فتشتعل وتلتهب ، تلك الصفات هي بداية لحب تبرعم في مرحلة الصبا وربيع العمر وراح ينمو في قلبي تدريجياً ! عفواً إذا أفضت في الكلام .. أشعر بأن أي تعبير يظل مقصراً عن وصف ما بداخلي من حب ومشاعر وأحاسيس ، وأتساءل لماذا لا تعيش تلك المشاعر إلا بقربها؟ ليتني أستطيع أن أذهب إلى أعمق ما تذهب إليه كلماتي ، وبما يخبرني به قلبي ! لا أحتمل طويلاً كبت المشاعر في داخلي .

قطعان من الأفكار الشاردة أعيدها إلى سرير السطور..أنا ما زلت في أول الطريق، أستحلفك بالله يا قلمي ألاّ تجفّ ، فأنا بحاجة إلى دموعك وبكائك لتملأ المزيد من الأوراق المستلقية أمامي ، وبحاجة أيضاً إلى عطفك ورضاك، أنت الدواء الذي بحثت عنه في كل مكان ، سأملأ جوفك بحبر من دمي .. كن لساني الذي أنطق به ، وفكري الذي أفكر به ، وسأترك يدي تنساب دونما تخطيط ، وتستدعي من مخزون ذاكرتي كل ما يمكن أن تبوح به ،أرمي كلماتي في حقول تردد موجات قلبي لبرج اتصال قلبها ..ذهبتُ إلى جزيرة الحب معها ،كما لو كنت أذهب إلى مواعيد الحياة، اغتصب الحب قلبي ووقعت بين فكي حبها، كان حبها قدري ، ومن يستطع أن يقف في وجه القدر؟

لأول مرة في حياتي أدرك قوة الحب وجبروته ! أحببتها حباً ليس من حب البشر، حب فوق الشهوات وفوق الغايات الدنيا ، أحببتها إلى أبعد ما يمكن أن ينتهي إليه الحب، حب يفيض كموسم الأمطار في شتاء واعد ! أحببتها حباً ملكت عليّ قلبي ، وأحاطته بسياج من الحب والشوق لا يسمح بتسلل أية عاطفة أخرى تجاه أية فتاة سواها ، ووقعتْ في نفسي أحسن موقع ، وأحسستُ برعشة تتمشى في أعضائي بعدما امتلأ قلبي بحبها ! كان الحب شديد النشاط فغرقتُ في هذا السيل الجارف من العواطف ، لا أستطيع الرجوع إلى شاطئ البحر ولا أجيد السباحة في كبد البحر ، فهل ترجع الأوراق إلى الأغصان ، وهل يعود الحليب إلى الثدي ؟ سرعان ما تسلل الحب إلى جسدي وعقد بين قلبي وقلبها عقداً لا يحلّه إلا الموت، هذا هو الحب ، وهذا هو وقود الحب..اتصال القلوب واتصال الأفكار! كانت حبي الأول وتجربتي الأولى، كانت بكر أحاسيسي ومشاعري، وأول فاتح للجرح الأليم في هذا القلب، ولم تكن مصادفة حين اختار القدر قلبي مكاناً لحبها! شربتُ كأس الحب فدارت في دمي وانحدرت إلى قلبي وصعدتْ إلى رأسي فتخمرت وتحولت إلى كلمات نطق بها فم قلمي مستعيناً بلسان قلبي .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى