خفقة القلب (19)

لا يوجد كلمات في قواميس كل اللغات تستطيع أن تصف ما أراه ، الدهشة عقدت لساني ، تتصارع الأفكار في رأسي ، كيف أطرق باب قلبها طرقاً خفيفاً وأداعبه ؟ كيف آخذ منها أجوبة عن أسئلة لم أطرحها؟ كيف أفتح نافذة الكلام معها؟! جلستُ في ملجأ الصمت واستراحة الكلام، تركتُ حواسي كلها تتابعها ، نظرت إلى عينيها بصمت وفي داخلي ألف كلمة وكلمة، فتحتُ فمي لكن لم تخرج منه الكلمات، فقدتُ لساني ،وأضعتُ الكلمات التي أعددتها ،وكأن لصاً اختطفها من فمي ! عيناي تزوران عينيها باهتمام وهي تتابع حديثها ..

كانت تتولى الكلام القادم من ينابيع حنجرتها ..كنت قد أحببتها من عينيها ، أما صوتها الآن فتلك قصة أخرى.. صوتها يسيل عذوبة وأنوثة ، دافئ يمزق أوتار القلب..حين تتحدث تنطق لحناً ، شلال من الكلمات يتدفق من فمها، ويسيل من شفتيها كالعسل الفائض من خلاياه. أحسّ أن لكلماتها رائحة لا يميزها سوى الأدباء والشعراء وبائعي العطور، كنت أشاركها الصمت الفصيح ،التصق لساني بحلقي وأمسكتُ عن الكلام وأنا أنظر إليها نظرة طويلة صافية حرّكت مشاعرها ، ورحتُ أتناول وجبة شهية من لقمة الحب ، وأصغي إلى كلامها الجميل الذي يلامس جدار القلب ، ويسيل من شفتيها اللتان بلغتا سن الرشد، بينهما ابتسامة حلوة حرّكت تلك الغصون الرقيقة في ذقنها وحول عينيها، ابتسامة جميلة تفتح بها أقفال القلوب.. لم أعرف فماً مكتملاً كالذي تصنعه شفتاها المكتنزتان ، أسمع من فمها خير ما يمكن أن يُسمع، وأمسك الكلمات التي كانت تسكب في أذنيّ وتستوطن فيهما ، وكأن أذنيّ خلقت لصوتها! كيف يصبح للكلمات لذة أخرى ونكهة خاصة بحضور العيون ؟! رموش عينيها ترفرف على عينين سوداوين ! نظرتُ إلى عينيها نظرة نفذتْ إلى مواضع الأسرار في قلبها، أبحثُ فيهما عن أجوبة لأسئلة رددها قلبي، لم أكن أعرف شيئاً في سراديب العيون ، فقد توهج شعاع الحب في عينيها اللتان تطوعتا بالتحدث بدلاً عنها ، وقرأت فيهما ما تريد أن تقوله وينطق به لسانها، رحتُ أستمع إلى نداء عينيها ، فالعيون تكشف المشاعر الحقيقية التي لا يستطيع الإنسان أن يعبّر عنها بالكلمات! من يحب يدرك لغات الكون: الصمت والعيون !

كانت تحسّ بنظراتي تتسلل إليها كأنها تحدثها في صمت. اعتقلتُ لساني كي أصغي الاستماع إلى حديثها العذب، وأتأمل ابتسامتها ! ها هي ترتدي قميص الشوق ، تفرد أسرار أنوثتها ، وجهها ناعماً هادئاً، وقد احمّر خجلاً، وأجمل ما فيه هو الفم بشفتيه القرمزيتين ، والعينين السوداويتين اللتين لم تفقدا حلاوة الحياء ! إنها لرقتها وبراءة وجهها وجمال عينيها تمتلك ثروة من العذوبة والذوق والمشاعر والأحاسيس والحسّ المرهف، وجرعة إضافية من الأنوثة ! إنها كالوردة لا تضطر أن تشرح للناس عبيرها! يكفيني أنني معها، أستنشق أنفاسها ، وأطفئ ظمأ قلبي! عندها شعرتُ بشعور عجيب وقلتُ في نفسي: أتمنى أن أموت في تلك اللحظة لأني قد لا أمرّ بتلك السعادة مرة أخرى في حياتي !

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى