خفقة القلب (21)

الاشتياق حكاية لا يمكن شرحها في سطور …ما أعظم الحب وما أصغرني ..ليس حياً من لا يحب ! أيمكن للإنسان أن يولد مرتين؟ ليس على الأرض من يشعر كيف ولدته أمه ولكني رأيت بنفسي كيف ولدتْ تلك الفتاة نفسي ولادة ثانية من رحم غير رحم أمي !

العرق الغزير بلل جسدي وأصابعي وبطن يدي ، ابتلعتُ ريقي ، ماذا حصل لي؟! أحتاج إلى بضع كلمات علّها تنقذني ، أتسول بعض الحروف التي تتسلل على رؤوس أصابعها ، أمــــــــطّ تلك الحـــروف لتبدو فرحة ! لم تسعفني الذاكرة بإكمال التفاصيل.. عليّ أن أغمض عيني وأحصر ذهني جيداً وأفك أزرار الذكرى ، وأتسلق قلعة الذكريات وأفتح سلة قلبي ، وأتجّول في شوارعه في كل اتجاه، وأعود آلاف السنين إلى الوراء ، وأبحث في البئر الارتوازي لذكرياتي كي أتذكر ما حصل لي، ولأنقل الصورة التي بقيت مخزنة في أشلاء ذاكرتي.

أنا الآن في لحظة التذكر القصوى لتلك التفاصيل : فقدتُ الذاكرة والقدرة على الكلام ،وأحسستُ بشيء ما وقع من يدي وسقط في يدها، إنه مفتاح قلبي.. مضخة دمي ، فازت بقلبي واستولتْ عليه ، ونجحتْ في قرع أبوابه واقتحام أسواره والتجول فيه، وجلستْ على عرشه دون مفاوضات منذ أول لقاء معها، ووضعتْ بيوض الحب فيه ، وأصبح سريرها التي ستنام فيه ولها عليّ حق الإقامة الأبدية، فلا مطر يشبه تساقط زخات الحب في عمق القلب! أما هي ففتحتْ لي قلبها وأفرغت جيوبه للحب ، وأزالتْ كل الحواجز والألغام والأسلاك الشائكة من حوله ،وسلمتني حصونها وقلاعها وكل أسلحتها ، وقدمتْ لي أوراق اعتمادها في قلبي!

ذقتُ الحب لأول مرة في حياتي، سررتُ وكأنني تعرفت على سرّ من الأسرار الكونية، وشعرتُ برعشة غريبة لم أدركها من قبل ،لقد ملكتْ شعوري وقلبي وجوارحي فلم أقو على استخدامهم! دخلتُ في منطقة انعدام الوزن ، تخلصتُ من جاذبية الأرض، كأنني أطير في السماء ، كأنها محور الكون ، وكأن الكرة الأرضية تدور حولها! جفّتْ ينابيع التفكير لديّ، تسمّرتْ الكلمات في فمي، ارتجفتْ يدي وضاع الزمان والمكان ، تلاشت مقاييس الزمن وتوقفت الدورة الدموية للكرة الأرضية عن الدوران!

العشاق كالموتى لا يحتاجون إلى الوقت لكونهم بدخول مجرة الحب يخرجون من الزمن ، فالعمر أوقات اللقاء ويخطئ من يحسب العمر بالساعات والسنوات والعقود ! رحتُ آخذ من لهيب يدها لذة الحب ، ارتجفتْ أصابعها واستجابتْ للملس يدي وهي مستمتعة بمحاولاتي المرتبكة والمترددة و الجريئة لاستكشاف جسدها، وكانت كل معاني الحب تطّل بوضوح في عينيها، فأحسستُ بتيار كهربائي يسري في بدني وينساب إلى عروقي.. وبأنني أمسك السماء بيدي، وأكسبُ يوماً في تقويم حياتي.. لا أريد شيئاً من الدنيا فقد أخذتُ حصتي من الفرح دفعة واحدة !

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى