خفقة القلب (22)
اهتزتْ أوتار قلبي وشعرتُ أنه قد فارق موضعه إلى حيث لا أعلم له مكاناً! فسارعتُ بوضع يدي على قلبي لأبقيه في مكانه خشية أن ينخلع من صدري ويطيرُ إليها بعيداً عني، وعجبت لأن قلبي ما زال في مكانه رغم تسارع دقاته التي تدق في اللحظة نفسها دقة شوق ودقة حب !إنه القلب لا يمكن السيطرة عليه، خفتُ عليه لأنه لا يحتمل كل هذه الولائم وجيوش الفرح وهذا الحشد من السعادة دفعة واحدة.
شعرتُ بامتلاكي للعالم بين يديها ، وأصبحتُ أمتلك سعادة البشرية كلها! كيف يتساءل الناس عن السعادة؟ اسألوني عنها فقد خبرتها هنا ..هذا ليس حلم، هي سعادة مصفّاة من معين لا ينضب ، ومن نبع لا يجفّ، هي سعادة تنبع من قلبينا! تمنيتُ لو توقف الزمن إلى آخر العمر، وأصبحنا من الأشياء الخالدة مع الزمن كالشمس والقمر والجبال والأنهار والكواكب والنجوم والأشجار المعمّرة ! هذه اللحظات التي عشتها تساوي العمر كله، بل تزيد عنه .
لقد تمتعت بسعادة الدنيا لأني أحببت وعشقت، فقد كان هذا الحب يحملني بعيداً للسماء ، واكتشفتُ أنني لم أكن قد جئتُ للحياة قبلها ! عندما تأتيني الحياة بكل هذه السعادة والمتعة ، أدرك أنني كنت قبل ذلك في عداد الأموات على قيد الحياة ، هكذا اكتشفتُ الحياة دفعة واحدة ، واكتشفتُ حجم خسائري السابقة، تلك هي اللحظة الفاصلة بين عمرين! دقيقة حب واحدة تعوض سنيناً من الحياة .
هل لكم أن تعذروني في محاولة اقتحام عالمها الخاص ، لأعيد صورتها القديمة وبراءة أول حب في حياتي، ولوضع تفاصيل صغيرة مختبئة في مكان ما ؟ كم كان لها متسعاً في ذاكرتي ، دعوني أعود إلى أرشيف تلك الذاكرة وأفرد ذاكرتي وأعيد ترتيب ذكرياتي وأكتب كمشة حكي مما امتلأت به محتوياتها، هل لكم أن تحتملوني بعض الشيء ؟ احتملوني أرجوكم فما دفعني إلى ذلك هو الوفاء لذكريات الماضي، وإحساسي باللذة والمتعة، ملابسي ملوثة بذكرياتها ،والماضي ما زال أمام عيني بكل ذكرياته الجميلة ،إنها ذخيرتي التي أحيا عليها، حياتي معها تشابكت ككتلة خيطان معقدة ومتداخلة في ماضيها وحاضرها ،اعذروني للمرة الثانية والأخيرة فقد شممت أنفاسها برئتين بعيدة عن أجسادكم ،ورأيتها بقلب ليس في صدوركم، وبعينين ليستا في رؤوسكم! لا أريد أن أحفر بلسان قلمي سراديب تنساب من بين أقوالي إلى حضن أسراري ،فهناك نوع من الجمال يعمي البصيرة كما يعمي ضوء الشمس البصر، تحضرني الأفكار فجأة فألتقط كلماتها ، أجدني أرتمي في أحضان أوراقي، أراقص الكلمات، أقف على أرجلها ،أداعبها ، أمسكها ، أخاصرها، أعصرها، أطيّرها ، أبعثرها ، ألملمها ، أحضنها ،أعانقها ، أهمس بها دون صوت ، ودون حركة في الشفتين..أشعرُ بأنني أملك كلمات تكفي لكل فصول الحب والعشق والغرام، وبأن ينابيعي تفيض وأن كل ما اختزنته لها طيلة السنين جاء أوان إقامته على الورق ، وبأنني أصبحت أملك أرصدة من السعادة تكفيني لآخر العمر !