خفقة القلب (24)
قلبي يبحث عن الجديد في الحب ، وعن مفردات الاشتياق التي لم تصب بعد بجلطة التكرار وشلل الصدأ واهتراء الحروف ،أخترعُ كلمات لتجديد اللغة العربية وانقاذها من الضياع ،فما أكثر المفردات العاجزة عن أداء الحب ، فكل كلمات البشر ولغاتها تبقى خجولة لأنها لا تستطيع أن تصف ما أشعر به !
الحديث مع من نحب يجعل للقهوة نكهة سحرية ،تناولتْ فنجان القهوة ،يتصاعد منه البخار الحار بحرارة الأشواق ، راحتْ تداعبه بيدها ،وتحتضنه براحتي كفيها ، ارتشفتْ منه رشفة ، داخ الفنجان وهو يتلذذ بين شفتيها، لست أدري ماذا قالت شفتاها للفنجان حتى أصيب بغيبوبة أفقدته وعيه ؟! من بقايا قهوتها تناولتُ رشفة لا يزال طعمها دافئاً في فمي ، وما زلتُ أتذوقها منذ ثلاثين عاماً! كانت عذبة الريق ، ولو أن ريقها يداوى به الموتى لقاموا من قبورهم ! لا أمانع أن تسقيني كأس الحب من شفتيها، وأرتشف كأس السمّ من يديها !
تسلحت بالشجاعة ، ونظرتُ إلى عينيها اللتان تفيضان عاطفة وتحملان الكثير من الشوق واللهفة، فلم أستطع أن أقاوم نظراتها الخجولة ،وزارتْ عيناها عينيّ فتنهدتْ بعمق وأهدتْ إليّ ابتسامة حلوة وساحرة أضرمتْ النار في قلبي ، واتسعتْ ابتسامتها وقد زادتها جاذبية وفتنة، وشعرتُ بنشوة امتلاك وجهها، فاشتعل الحب بقلبي في لحظة كما يشتعل عود الثقاب ، وتسللتْ إلى قلبي لتتربع على عرشه، وبسرعة أفرغت مدينة قلبي وشوارعها وحدائقها لتتمشى فيه وتنام في سريره ، ولن أشرك سواها في هذا السرير! احتل حبها محله في قلبي واستقر فيه ، حتى فاضت جيوبه وخزائنه بحبها: كالماء الذي لا يدخل الكأس إلا بعد أن يطرد منه الهواء لأنه لا يتسع لكليهما ..وكالزورق ينسحب إلى المياه العميقة ولا يستطيع العودة..فعقدت العزم على البقاء على حبها مادام قلبي يخفق ومادامت روحي باقية في جسدي!
نسيتُ الزمان والمكان معها ، كنت بعيداً بأفكاري ومشاعري عما يدور حولي ، تجاهلتُ ثرثرة الذين كانوا يجلسون معنا..البشرة أقرب إلى البللور، عنقها ناعماً لو مسّته ريشة عصفور لانجرح، رأيت ما تحت الإبط حين رفعت ذراعها كان ناعماً أملساً ، صدرها يتموج مع خفقان قلبها، جننتُ حين خفضتْ أهدابها كأنها تتشاغل بالنظر إلى الأرض ، أطلتُ النظر إلى يديها وأناملها وعينيها وشفتيها وسواحل فمها، ومررتُ على تفاصيل من جسدها ، ففي تفاصيله مدن وطرقات وشوارع أجهل الدخول إليها وأجهل الخروج منها ! ووجدتُ نفسي أحدّق فيها وأتصفّح عيناها وأحاصرها بنظراتي دون أن أقوى على إبعادها عنها ، بصري وسمعي أسيران لما تراه عيناي! تأملتُ عينيها اللامعتين اللتين زادتاها جاذبية وفتنة فأحسستُ بشيء من الارتباك ،حاولتُ أن أتغلب عليه سريعاً، وانتابني شعور غريب لم أحسه من قبل، ولا بد أن أعترف لنفسي أنني منذ اللقاء الأول بها قد غرقت في حبها ، ووقفت على حافة المنحدرات العاطفية ! رجعتُ أنظر إلى شفتيها فارتعشتْ، وإلى وجنتيها فاحمرّتْ، وإلى جسدها فارتبكتْ وكأنها تتأوه من ثقل نظراتي إليها ، وراحتْ تعبث بشعرها كطفلة في أقصى حالات الدلال.. عذراً أيها القمر هلاّ تنحّيت جانباً ووضعتها في عُلاك !