خفقة القلب (28)

كيف للكلمات أن تحمل كل ما أحمله في صدري دون أن ينحني ظهرها ؟! طلبتُ اللجوء العاطفي إليها .. أحببت الأشجار والجدران والنوافذ القريبة منها ، أحببت الباعة الذين يحيطون بمنزلها ، أحببت الدرج ووقع أقدامها عليه ، أحببت الصباح والمساء والليل ، وأحببت كل شيء في هذا الكون ..

لها صوت داخلي يوقظني لأكتب إليها في عتمة الليل وعتمة الحبر ،نحن نقتل الورود لتمنحنا العطور ، ونقتل قلوبنا لتمنحنا الحب ! ظلتْ صورتها تداعب خيالي وتحول بيني وبين النوم !لا أستطيع أن أفعل شيئاً إلا التفكير في أودية الأحلام، ليت للأحلام الجميلة عمراً أطول ، لم تعد مشاعري حرّة كما كانت، فراشي مبلل بالأحلام اللاهثة فلا أبيت ليلة دون أن يسري إليّ خيالها ، لا أُسلم جفني للنوم قبل أن أطمئن عليها ، أنام وأترك لها مكاناً في
حلمي !

سأشتري أحذية لأحلامي ،بعد أصبحت كل الطرقات إلى الفرح سالكة! بللني الشوق إليها ونزل بأهداب عيوني وأيقظها ،فأقضي الليل إلا أقلّه أساهر الكواكب، أعاقر أنفاس الفجر حتى يلوح جبين الصباح ،وأرى مطلع الشمس معلنة ولادة يوم جديد ! هكذا طال سهري..هجرني النوم..قلّ طعامي..جسدي تمكن منه الضعف ..قلّتْ سيطرتي على نفسي .. الشرود سيطر عليّ..عجزتُ عن التركيز..ودخلتُ مدار الحب والألم معاً !حين أذكرها تثور في داخلي كل الحروف ، من الحروف تولد الكلمات ، من الكلمات تولد العبارات، من العبارات تولد القصة ، من الورد يولد الرحيق ، من المخاض يولد الطفل، من الظلمة يولد الفجر ، ومن البعاد يولد الشوق !

أنام عند أقدام ذاكرتي ،أستيقظ شوقاً إليها ، قنابل الشوق والحنين مؤلمة، لقد تحوّل نومي إلى شبه يقظة ما دام فكري يحوم حولها ، طيفها ينزل ضيفاً عليّ إلى أن يجيء الصباح ! أكلّفُ عقلي بمهمات وأشغال شاقة .. أكلفه بالتفكير فيها ليل نهار.. وتفرغت للحب ! كما أن الرأس لا ينام حتى يتفقد أحوال الجسد جميعها، كذلك فإن قلبي المشغول بها يتفقد منسوب الحب فيه قبل أن يغفو! أبحث عنها فأراها في كل مكان : في عيني ، في قلبي ، وفي أوردتي وشراييني! رحتُ أبحث عنها في النصف الفارغ من السرير والنصف الفارغ من الوسادة لعلي أتقاسم معها الفراش والوسادة والأحلام معاً ! سترتُ وجهي بكفي لأحجب عن عيني الضوء لعلهما تغفوان ، لكنهما ظلتا قلقتين ما تكادان تفلتان من سيطرة الإغماض حتى يرتفع جفناهما، فإذا هما مفتوحتان ، كأن جفنيهما قد شدّا بخيوط وثيقة إلى قلبي الخافق ، فكل محاولاتي للنوم باءت بالفشل ! كنتُ شارد الذهن ، تجيء بي الخواطر وتذهب ولا يستريح دماغي حتى في السرير! غصتُ في سرير نهر من التفكير بها ، أستمع إلى ثرثرة الذكريات ،وسادتي مفروشة بالأحلام ، تلاحقني الأسئلة دون شفقة وتلّح عليّ في طلب الجواب، فأتلمس جسدي وأقرصه، أريدُ أن أتأكد هل ما زلت حياً بين الأحياء ؟ هل ما زلتُ أعيش على سطح الأرض أم أني أحلّق في السماء ؟!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى