خفقة القلب (32)
أحبها وتحبني ،فقد أكدتْ لي عيناها ذلك حين لبثتُ أحدّق إليهما ،وهي تفعل ذلك، كنت أبادلها نفس الحب والمشاعر الجارفة التي تحملها لي ، فعيناها خلقتا لتشتتان دقات قلبي !! لو كان للمرء قدرة للاطلاع على ما في القلوب لتبين لها أن قلبي لا يمكن أن يسكنه أحد سواها!
عاشتْ في عيني ولا تزال، كيف تكون غائبة وصوتها في أذني ووجهها في مخيلتي ؟ أدمنتُ التفكير فيها ، استوطنتْ ذهني وقلبي ،تشرّبت بها وأصبحتْ تسري في دمي ، روحها تعانق روحي كزهرتين على غصن واحد، قلبي وقلبها يتنفسان من رئة واحدة ! أنظرُ إلى شرفة ثغرها كالورود في أباريق الكلام!
نظراتها تدفع الدم حاراً في عروقي ، تزودني بجرعات من الدفء والحب ،شوقي وحنيني يزداد إليها، يلتهبُ بين أضلعي، تعيشُ في ذاكرتي بكل حرارتها، برائحة عطرها ، برائحة الشوق إليها ، برائحة العرق من مسامات جسدها! أسمعها تشق جدران الصمت كما تشق البذور قشرة الأرض، أنقّل عينيّ بين وجوه الناس لأبحث عن وجهها ! استسلمتُ لها بكل أفكاري ومشاعري حتى أصبحتُ أحب ما تحب ، وأكره ما تكره ، حتى أنني أحببت من أجلها من كانت تشبهها ! هل يستطيع الحب أن يختبئ ؟ أن ينام ؟ أن يتظاهر بالنسيان بعد أن استوطن جسدي وسكنني كالروح؟! هل تفلح قطع السحاب المتناثرة في السماء من حجب أشعة الشمس إلا هنيهات متقطعة ؟!
ما زلت أحتفظ برسائلها ،أخفيها تحت وسادتي ، تنام بقربي ، تسكن بجواري، أملأ بها ثقوب ذاكرتي ، في كل مرة أفتح فيها رسائلها ،أتوهم سماع صوتها، أحتسي قهوة كلماتها فأحسّ بشيء من الطمأنينة، أشعر بذكراها ممتزجة مع تلك الرائحة الفريدة للأشياء المغلقة، أتخيّلها وهي تتحدث معي ، أتخيّل أصابعها وهي تتحرك أمامي على السطور ، تتابع ما تقرأه شفتاي ، وما تلتقطه عيناي، فأتنهّد من الأعماق ، فالتنهيدة حياة كاملة من الكلمات تخرج على شكل أنفاس مرهقة من معتقل السكوت !
صور كثيرة تعبر ذاكرتي ، شيء ما يشدني إلى الوراء ، أسافر إلى الماضي ،أغمض عيني على طيفها ، أراه يركض داخل رأسي ،يقرع أبواب صدري، وأغيب في رحلة طويلة من الذكريات !