خفقة القلب (34)
كانت اللقاءات معها عديدة، تقاسمني ذكرياتي وأحلامي ،كنت عذرياً في علاقتي معها ، علاقة بعيدة عن الجسد، قريبة من الروح والعاطفة ، أستطيب نكهة أنفاسها ، أستلطف لمسات يديها ،وأستعذب رنة صوتها ورقة مشاعرها، أحمل على كتفي أشواقي وأكواماً من الحب وأضعها أمامها على الطاولة لتختار ما تشاء من الكلمات ،أنزع ثياب همومي عني وأكسو كلمات اللقاء بثوب من الأشواق.
اللقاء معها يتعدى كل حسّ بالزمان والمكان، إنها لحظات لفعل غريب لا يفسر بالدماغ ، لحظات خارجة عن الزمن وعن الجغرافية وعن الجاذبية الأرضية، إنها أشبه بغيبوبة ، ولكنها غيبوبة واعية! كنا نجلس بظلّ الأغصان كي تحجبنا عن البشر مثلما تحجب الضلوع أسرار القلوب. نتبادل الهمسات والابتسامات والدموع والكلمات الصامتة ، نصمت وكأن الحب قد عقد لسانينا ،فما أجمل الجلوس مع من تحب دون أن تقول شيئاً !لم تحصل أمور غير عادية، أحاديث ودية تنتقل بين شفاه أربع ، يتخللها صمت لحديث العيون ، أنظرُ إلى شواطئ عينيها وأبحث عن بصمات الحب في بؤبؤ عينيها ، أبحث عن هذا الحب بعد أن مرّ منهما، فالعيون هي نوافذ الروح ، هي أبواب القلوب وأسراره !
المسافات لا تقرّب أحداً ولا تبعده ، فقط القلوب هي من تفعل ذلك ،هي غائبة عني ولكنها مستوطنة في قلبي ،حين أذكرها ترتدي نفسي ثوباً فضفاضاً من الحب ، وحين أراها تتدفق ينابيع الشوق من عينيها وشفتيها، ألملم الأشواق العالقة في أهداب عينيها. أعض بعينيّ على شفتيها ، أرخي نظري على الأرض خشوعاً !! أحاول أن تنحلّ عقد لساني فأنطق بكلمات الحب والشوق التي تحوم على لساني، أهمّ بالحديث فتذوب الحروف في فمي، ويفيض الصمت بحروف تلك الكلمات التي يعيش الكون لأجلها ليقولها نيابة عن شفتّي ، جفّ حلق حروفي ،تسعفني عيوني لتتولى الحديث بدلاً عن لساني الذي أصابه الخرس المفاجئ ، فتخلع عنها اللاءات وترمي كل أسلحة المقاومة لديها وتستسلم لي، إنها رفيقة قلبي وصمتي وذكرياتي وفكري والأقرب إلى روحي !يهزني الشوق ويجتاح قلبي بنفحة عطر ، فأمدّ ذراع أشواقي إلى كل العوالم لتنثر بذور الحب في كل ذرات الكون ! رحتُ أصنع بوقاً على فمي، أقفُ على منصة عالية وأصرخ بصوت يسمعه كل مخلوقات الأرض “أحبك”، تمّر الصرخة على طيور كانت تسترخي بين الأغصان ، فيدّب النشاط فيها وتلتفت باحثة عن أنصافها الأخرى فقد اشتاقت إليها مثلما اشتقت أنا إليها!