خفقة القلب 39
في أعماقي احتياطياً من أثقال الحزن يفوق احتياطي النفط في العالم العربي .. أجدني أسمع صوت انفجار ذاكرتي.. ما أصعب أن نقول وداعاً أيها الماضي، صعبٌ جداً لأي منا أن نفصّل حياة على مقاس أحلامنا ورغباتنا، وأن نجعل اللحظات الجميلة تطول بحسب مشيئتنا، فهي كالرمل المتسرب بين الأصابع!
هبطتُ فجأة من فضاء الخيال إلى أرض الواقع، أركض وراء السراب، أفتش في أنقاض أحلامي ،أدخن أعقابها ،ألملم أذيالها، وألاحق حلماً هارباً ! وقفت أمام مرآتي أتأملني، كل شيء في مكانه الصحيح إلا قلبي! شعرتُ بفجوة في حياتي،مات ربيع أيامي وتسلل اليأس إليّ ليكتسح مساحات واسعة ملأتها أملاً، وبدأت النيران تأكلني، خلعتُ أحلامي وشبابي ومشاريعي وأغلقتُ كل قاعات العبور في حياتي ، شيء ما يقرع باب قلبي المغلق ، يهزّ جدران رأسي في جوف هذا الليل الذي طال على غير عادته .
بقيتُ تلك الليلة مستيقظاً ، كانت تلك الليلة أطول ليلة مررت بها في حياتي ، ليلة عقيمة لا يوم بعده، كشًّر الحزن عن أنيابه ،الحزن يفجر طاقة الكتابة ويرغمنا على البكاء، أردتُ أن أشغل فكري بتدوين كلمات مدببة ، جلستُ إلى أوراقي وأخذت القلم لأواصل كتاباتي ، وأخطّ كلمات ولدت في أعماقي بألم وعذاب..لكي أكتب لا بد من الذهاب إلى منطقة الحزن وأعاشره ، الكتابة تطرد السموم وتغسل العذاب، فجأة جمد القلم ووقع من يدي، وسقطت دمعة منذرة باقتراب عاصفة البكاء، أخفيتُ رأسي بين ذراعي واستسلمت لنوبة بكاء حادة، جعلتْ جسدي يهتز، ولم أعد أستطيع السيطرة على ما يجري في داخلي .
كنت أتلّوى ألماً وحزناً، وضعتُ كفي على صدري لأوقف دقات قلبي المتسارعة وأُخمد ثورته ، ورحتُ أستجدي مرحي لينقذني من الكآبة المحيطة بي ، وأطرد الأفكار الغريبة التي تلّح عليّ. مسحتُ دموعي بظهر كفي واتجهتُ إلى النافذة ، فتحتها واستنشقت هواء الليل الرطب الساهر معي بدموعه ، نظرتُ إلى النجوم التي تزين رداء السماء ، وتشرف على هذا السكون ، وكأنها عيون ساهرة مطلعة على خفايا الأشياء ، استنفرتُ أفكاري واعتصرتُ ذاكرتي وأمسكتُ عن الكلام لساني، وبدأتُ بكتابة هذه الكلمات القاسية بقسوة الزمن ، في رأسي مئات الأفكار التي تزداد اصطداماً ببعضها ،الكثير من الكلمات تحتضر وتغطي فمها وتغمض عينيها مستسلمة للموت القادم،أقفُ على حافة البكاء ، أحسُّ أن الدمع قد قفز إلى مقلتيَّ وأنني أُراودهما على الانسكاب ، جاهدتُ حتى قهرت الدمع وأعدته إلى منابعه !
قلمي يئن على الأوراق ودماؤه تسيح على السطوح، أملأ هذه السطور وأنا أعرف الوجع الذي ستتركه هذه الكلمات التي انحنى عمودها الفقري، وأصيبتْ بالديسك من الأشواق التي لا تقوى على حملها، ولكنها حملتها على ظهرها ، لأنها تودّ أن تشاركني الألم ، يثور بركان أفكاري ولا يهدأ إلا بعدما تسيل الحروف حبراً !