خفقة القلب 49
في الصباح يرتحل الليل وأصافح السحاب المسافر إليها ، وفي المساء ينام الضوء وأرتدي قميص الليل ، وحين ينتصف الليل وتذوي الأصوات. أحتسي الصمت، أمارس هوايتي البكاء والتنفس ، أتداخل في جلدي، أتشرب أنفاسي، أتنزّه في ذاكرتي فتهطل الأمطار في داخلي وأبكي ،وتعود الدموع لتتخذ مجراها على وجنتي ، أتركها تغسل وجهي ،وأمنحها الوقت الكافي لإفراغ شحنة عواطفي ..
أتمدد في سرير الصمت ، أسهر في وحدة الليل مع وهج لهيب الحطب ، أحمّص الذكريات على وهج الجمر، أقضي معظم الليل حتى يوشك الصبح أن ينفلج، أناجي أطياف الماضي ، أحدّق في السقف،وأتأمل الفراغ، وأسترجع شريط الذكريات القريبة والبعيدة !
أسكنُ داخل جسدي، أتناول وجبتي اليومية من الأحزان، أقتات دسم الذكرى ومخزون الألم الذي جمعته تحسباً لمواسم البؤس وفصول الأحزان. أقتات بعض الحروف علّها تمنحني قوة ، كل شيء صار مرّاً في فمي ، فقدتُ صحتي وعاشرت المرض وخضعت لسلطة الأطباء والمسكنات وعلب الأدوية !
الأشياء الجميلة فقدتْ طعمها ولونها، أعيش على أنقاض الماضي .. الماضي لا يموت ..موته ليس إلا وهماً مهما حاولنا اقناع أنفسنا بموته .. الماضي الذي نظن أنه مات سيظل حياً ما دام قلبنا يخفق..أصبحتُ غريباً عن نفسي ..خلعتُ عني جسدي ..حاربني ظلي ..حاربني قلبي ..جفّ دمي..أجد نفسي كشجرة متعبة تسند ظلها إلى جانب الطريق..كجنين انقطع عنه حبله السري .. نضج الموت في جسدي وأحسستُ بأنني سأموت بداء العشق ! ماذا أفعل كلما اشتقت إليها ؟!
أزور أنقاض أحلامي..أين التي رمى إليها الياسمين أكفه؟ أين التي كان الصباح يحبها ؟ أين التي نعس النسيم بحضنها ؟!سأغرس وجعي في الأرض ، وأسقيه دمعاتي، وسينبت ويثمر أوجاعاً جديدة ! في كل مساء أتأمل غروب العواطف وقرص الحب وهو يغرق بحمرته في بحر أوجاعي ، لا نجاة .. أن تحب وتفارق وتتعذب يعني أنك ما زلت على قيد الحياة !