خفقة القلب 55
ستبقى الذكريات التي جمعتني بها جزءاً من الماضي ، أحبسها في ركن بعيد ، بعيداً عن الشرايين التي تضخ الدم لقلبي ، لا أستطيع طردها من ذاكرتي التي هي مخزن لصورها وكلماتها ،لا أستطيع أن أنسى من عاشت في قلبي الساكن بين الضلوع ، لا أستطيع أن أنسى أحبَّ الأشخاص إلى قلبي وحتى إن كانت لا تذكرني ، لا أستطيع التخلص من ذلك الحنين الذي أكل أطراف قلبي ، لا أستطيع نسيانها حتى وإن نسيتني ،وأنا الذي رضعت من ماء حبها ورويت به الشتلات المزروعة في قلبي ، تلك الغرسات التي أينعت وأعطت ثمار الشوق وبذور الحب.
أنام على ذراع كلماتي وأتكئ على خصر حروفها، وأستيقظ على صوتي وأنا أنادي باسمها ! هي جوهرة أحلامي ..صار النوم أسعد أوقاتي ، ينقذني من شقاء مقيم ، ويخرجني من نطاق التفكير، صممتُ أن أقتل الروح والمشاعر وأبقي الجسد بلا حسّ ! أشعر بتثاقل في رأسي وضعف في جسدي، وبأن قدماي لا تقويان على حملي ، وبرجفة تسري في بدني ، وبأن قلبي يتوقف عن النبض وينتزع من صدري ، وروحي تلفظ الحياة وتخرج من أطراف أصابعي وتنسكب كالزيت المحمي على جدران قلبي ، فأنا لست سوى قدمين على رصيف كنخلة يابسة ، قلبي خارج السيطرة ، لا أستطيع التصرف به بعد أن سلمتها مفاتيحه ، لكنه سيظل يخفق بحبها بصمت مؤلم! لو أن يدي مقيدة بأصابع يدها لوهبني الله دفئاً لا ينتهي ! لو أنني لا أستنشق سوى نسمة تهبّ من أنفاسها لعشت أجيالاً عديدة وعمراً أطول من عمر نبينا نوح.
كنت أحلم أن أراها نائمة في سريرها ، أقبّلها فتستيقظ على قبلاتي ،أن أتكئ على ذراعيها وأتوسد خديها، أن أشاركها فنجان القهوة الصباحي ، وألصق اسمها باسمي كي يكتب لي البقاء والخلود ! كنت أحلم أن أصاحبها كظلي، أن تبسط كفها لأعشش فيه وأغفو ، أن نتداخل كالإبرة والخيط ، كالشمعة والفتيل ، أن تشاركني كل شيء : الجسد ، الروح ، الغطاء ،النوم ، الصحو، الحياة والممات! كل شيء فيها جميل ، طيبتها ، همساتها ، ضحكاتها ، كلامها وصمتها، إنها ينبوع الحنان والطمأنينة ، لا مفّر منها، كما لا مفّر من الموت والهواء والماء والطعام ، كلما اشتقتُ إليها أغمض عيناي لأراها ، هي: في النوم تأتي ، في الصحو تأتي، في الفرح تأتي ، في الحزن تأتي ، في حروفي وكلماتي وأفكاري تأتي ، وفي فنجان القهوة المرة تأتي.