خفقة القلب (7)
هو الحب يأمر فنطيع ، لكل شخص وقت للحب ووقت للموت ، في مواجهة الحب، كما في مواجهة الموت ، كلنا متساوون ، لا يفيدنا شيء، لا خبرتنا ولا ثقافتنا ولا ذكاؤنا ولا ما تبقى من عقولنا ، مجردين من كل الأسلحة وكل الأسئلة وكل الأجوبة.
نسيتُ نفسي، توقفَ احساسي بكل شيء من حولي ، توقفَ دماغي عن التفكير ، مرّتْ قرون من الصمت والترقب ! أصبحتُ شارداً بين أفكاري ومشاعري، حملتني أفكاري بعيداً عن الأرض ورأيتُ نفسي أطير فوق السحاب..عطالة ذهنية تفصلني عن نفسي والعالم الخارجي معاً..هكذا تعطلت كل قدراتي العقلية لتنوب عنها حواسي ، لم أستطع أن أمنع نفسي من متابعة السير وراءها. إحساس غريب يشدّ نظراتي إليها. رحتُ ألحقها كأنها حلم يسير على الأرض، أسرعتُ خلفها وأنفاسي تتصاعد بحرارة، وأنا لا أجرؤ على الاقتراب منها. تركتها تسبقني ورحتُ أتعثر بظلّي الذي يهرول أمامي ، وتعانق ظلّي وظلّها، وأصبحت لا أدري من يتبعها ظلّي أم ظلّها؟!
كنت خائفاً أرتجف كجناحي عصفور مبلل بالماء ، مشيتُ أتتبعها يقودني الخوف إلى السرعة تارة، وإلى التأني تارة أخرى. تابعتُ المسير ، أحوّل عيني إلى حيث تسير، أبقيتها في مرمى بصري ، مشيتُ حتى تعرّق قلبي، تآكلت قدميّ من السير وراءها ، بقيتُ نصف قرن وبضع سنوات من المشي! حافظت على جمالية المسافة بيننا لأراها بوضوح ولأتجسس على ذاكرتها، ورحت أتصيد ابتساماتها وإشاراتها. هي لا تستطيع أن تنكر أنها أحسّتْ بشيء من السعادة لملاحقتها، تتناولني عيناها سراً .. فكثيرة هي الكلمات التي عجزتْ عن قولها ووصلتني من أهداب عينيها ! ثمّة أمور عديدة تخفيها نظرات العيون مثلما تخفي الثياب الكثير من ممتلكات الجسد. شيء فيّ ينتظر كل شيء منها، سارعتُ الخطى إليها بخطوات ترتجف وبقلب يلهث، وأنا أشعر بأنني أمتلك سعادة لم أتذوقها من قبل ! نظراتي رافقتها حتى وصلتْ منزلها الذي لم أكن أعرفه من قبل.
أحسستُ بها تودعني بصمت مؤلم ، وودعتها بذلك القدر من صمت البكاء وصمت الأسئلة والأجوبة، وأحسستُ بأن جزءاً مني قد غادرني ورحل معها ! فأنا الطالب الجامعي الذي يدرس في كلية الهندسة اختصاص الكترون ، وهي الطالبة في المرحلة الثانوية، دخلت في ربيعها السابع عشرة. فتاة في صباح العمر، في طور الأنوثة الكاملة ،نضجت قبل أوانها ، وبدأتْ براعم أنوثتها بالتفتح على حياتها، تتدفق حياة ونضارة، تفرد أسرار أنوثتها ، وتغلق ستائر الحياء، فمن يوغل في أنوثتها مرّة يحتاج عمراً بأكمله ليعيد تركيب طعم لذتها. زهرة تتفتح للحب لأول مرة، خرجت من شرنقة المراهقة ودخلتْ من بوابة الأنوثة المبكرة ، واقتربتْ بخطى سريعة نحو البلوغ ، تزهو بما وهبها الله من مفاتن ومثيرات أذابت جفوني ، ففي سن المراهقة وهي فترة اكتشاف الجسد يشكل جسد الفتاة إغراء لا يقاوم! ما أجملها ..مشرقة كالقمر بدراً، مضيئة كالنهار الذي يتغذى من دم الشمس ، نقية كالمطر قبل أن يلامس الأرض ، مفعمة بالحيوية والجاذبية على نحو يعجز معها أي شاب عن مقاومتها.. كل شيء فيها جميل.
كان جسدها مثقلاً بثماره الناضجة ..كانت كتفاحة حمراء هرّت من غصنها.. يدي جاهزة لالتقاطها ..تؤكل من كل أطرافها! على أهبة التبرعم الأنثوي الأخير، طاغية الأنوثة تصعق عن بعد، استيقظت فيها الأنثى كاملة وناضجة ، بجسدها الرشيق الذي أخذ يتكور ويشع حرارة أشبه بتيارات مائية ساخنة تدغدغ جلدها وأحشاءها، تخفق لها القلوب. سمراء ساخنة، والسمرة هي روح الجمال ومصدر الخفة ،ملتهبة الوجنتين والشفتين، وردّت وجناتها لمسات الريح والشمس، رشيقة الحركة ، شعرها ليلي أسود، وجهها مثل قمر صيفي يزينه عينان سوداوان تقطران خفة ، وفم عقيقي إذا ما التحمت شفتاه فإنهما تسدلان الستار على صفين من اللؤلؤ النقي.
احتارت معها عيناها لا تدريان أين تستقران ، واحتار قوامها الناضج وهو يتمايل على أي الأوضاع يرتكز! تثير الفتنة حولها في كل لفتاتها والتي استطاعت أن تحرك مشاعري وأن توقظها من سباتها. أنوثتها كلها في نظرات عينيها، في سحر ابتسامتها تملأ وجهها وتزيد من جاذبيتها، في خصرها كخط الاستواء.. حرارته تحرقني، في أصابعها التي لا تتوقف عن مداعبة خصلات شعرها المتناثرة على وجهها، في مشيتها الضيقة الخطوات التي يهتز معها جسدها كله وتتمايل تمايل نخلة أثقلها الثمر، في شعرها الذي يقفز بين صدرها وكتفيها ، وفي حذائها اللطيف الذي يلملم قدميها بنعومة منقطعة النظير، تسكب أنوثتها بصوتها وهمساتها ونظراتها، فما زلت أذكرها بذلك القدر من التفاصيل الدقيقة !
هي وعاء العاطفة والسكينة والرقة والجمال، يصمت الكون لروعتها ، فقد استودعها الخالق مفاتيح السحر! كل معرفتي بها من رؤيتها هكذا ببساطتها ذاهبة إلى المدرسة، وهي ترتدي ثيابها المدرسية التي تعانق النضج والأنوثة. كانت ملابسها تنساب بسلاسة على جسدها وتبرز مواطن الجمال فيه، كأن بنطالها المدرسي خلق للفتنة. تتهادى في مشيتها وتفتخر بأنوثتها الطازجة. في يدها حقيبتها، تحضنها بين ذراعيها، وتضغط بها على صدرها البكر الذي تجمّع فيه شبابها، لتكتم قرع دقات قلبها ، وتحاول أن تجعل تنفسها طبيعياً. برز صدرها في استدارتين تلهث الأعين في ملاحقتهما ! احمرتّ تفاحتا خديها ، كخدّ الصباح وخدّ البدر، لكأن الشمس قد طبعت عليهما قبلة حارة ! كانت تختلف عن أغصان الفتيات اللواتي يسرن معها، كوردة جورية متفتحة ومرتفعة على سواها من الأزهار المحيطة بها ، فيها عبق الفل والنعناع والياسمين والقرنفل والورد البلدي.
إنها فراشة من فراشات الروح ، من نطفة الورد خُلقتْ، فألبسها الخالق رداءً لطيفاً من الجمال، وسرّحت الريح شعرها، وتكفلت عواطفي بتزيين ملامحها! حشد من الشوق واللهفة تحيط بها، وتحتار عيوني أين تنظر، أفتحُ عينيّ على كثير فلا أرى سواها. طلّتها تأسر القلب وصوتها يلامس الأحاسيس، وشخصيتها آسرة ومؤثرة. الجمال يحيط بها ويدعوني بإصرار على شكر الخالق الذي أوجدها في هذه الدنيا. إشراقها سريع الانعكاس في نفسي، فلا أكاد أراها حتى تشرق مني النفس، ويضحك القلب، وتصفق الروح. كانت واثقة من جمالها، وتستطيع أن تثير برموش عينيها اللتان كانتا الطارق الأول للحب الذي شلّ قواي وتفكيري وسيطر على حواسي وأوقعني في ورطة عاطفية ، فهي ما زالت عذراء القلب والفم والذاكرة والمشاعر والعواطف !!