خفقة القلب (8)
الأفكار حبلى في رأسي أرهقها المخاض، تداعت كلمات الحب وصديقاتها لاجتماع عاجل. الكلمات لا تسعفني في هذه اللحظة، لا أستطيع أن أصفها أكثر لأن وصفها يستهلك كل الكلمات الأنثوية من بستان الألفاظ، براكين الكلمات تتفجر أمامي ، تتجاذبني كلمات لم تولد بعد ، لا أدري كيف وقعتُ في كمين الذاكرة وفتحتُ ذراع ذاكرتي ، لأجد نفسي مضطراً إلى هذه التفاصيل كي أرسم صورتها وتحتل واجهة الكلام؟!
هي الذكرى وحدها تجعلني أستنشق عبير الماضي، وأنتعش بعطر الكلمات ورائحة عرق الذكريات..فقد باتت الكلمات التي زرعتها والحروف التي نسجتها وتركت بصماتي على عنقها، تعرف طريقها إلى السطور، وبتُّ أشعر بالطعم الجديد للحروف والكلمات وبأنها تحمل نكهة خاصة حين التحدث عنها !
رحتُ أبني من الحروف جدار الحب، ويرتفع هذا الجدار حيث يبلغ العشق ذروته، تكتبُ يدي كلمات وفي قلبي الكثير لا أستطيع التعبير عنه. هناك كلمات لا تقال إلا في لحظة كتلك … يطفو من بين السطر طيفها … فجأة سال لعاب فكري … راحت الحروف تجّر الكلمات من شعرها، وراح القلم يجرد تلك الكلمات من ملابسها العتيقة ويلبسها ملابس العيد، والآن أريد أن أخبركم بما تريد أصابعي أن تقوله ، فقد حان الوقت لأن أُسكت لسان فمي وأتكلم بلسان قلبي ، وآن الأوان لأن أتوقف عن الكتابة بأصابع يدي ، لأبدأ الكتابة بأصابع قلبي ، فشوقي أكبر من كل هذه الكلمات فوق كل هذه الأوراق :
إلى من يهمه الحب: الحب كلمة تُقال وفي جوفها آلاف المعاني التي لا تُقال، فهو سرّ الحياة ولذّة الروح، وهو علاقة العقل مع القلب. ليست مهمتنا البحث عن الحب ، بل البحث في داخلنا عن تلك الجدران والحواجز التي تبقيه بعيداً عن روحنا ! الحب هو أن تسمح لمن يحبك أن يسطو على كل شيء هو أنت ! الحب مشاعر مختلطة بين قلبين، وهو حالة تنشأ نتيجة امتزاج أفضل ما فينا بأفضل ما في الآخر. الحب إحساس وشعور إنساني يولد في أي وقت بلا شروط وبلا مقدمات ، ويربط بين قلبين ، كالبويضة والنطفة ! الحب من أعقد الأمور التي لم يتمكن أحد من تفسيرها ، ما أن يطرق بابك حتى يرقص القلب فرحاً باستقباله ، ويجلس على كرسي داخل القلب . هو حالة روحانية تُشعرنا بأن الحياة أجمل من أن تكون مجرد محطة ،فأينما يتواجد الحب تتواجد الحياة ، فهو ذلك الخيط الرفيع الذي يربطنا بالحياة ، ويمنحنا إياها ، ما أن ينقطع هذا الخيط حتى نفقد الرغبة بالتنفس والاستيقاظ والتفكير والعيش ويغيرنا تماماً.
الحب هو ما يدفعنا لأن نبتسم بالرغم عنا، وهو مياه جارية تبحث عن النهر ! لولا الحب ما التقى الغصن على الغصن ولا كانت الحياة ! الحب نوع من المشاعر يتجاوز بها الانسان اللذة، إلى ما فوق اللذة ، إلى الأمان والسكينة والروحانية. الحب هو أن تثق أنك في قلب من تحب ! الحب لا يقدّر بثمن ، فالمال يجيء ويذهب ، ولكن الحب يأتي مرة واحدة في العمر كله ! الحب كما مع المضادات الحيوية لا بد من إتمام العلاج حتى آخر يوم وآخر حبة دواء تفادياً للانعكاسات العاطفية قبل أن يستفحل داء الحب ويعود أقوى.
هكذا هو الحب الناضج ، إن قطفتْ الثمرة فجّة آلمت الشجرة ولم تستفد منها، أما إذا أينعت فهي تسقط من تلقاء نفسها .. ! الحب أذى لأننا لا تناوله بجرعات محددة، وندمن عليه بنيكوتين الحب لفرط حاجتنا المتزايدة إليه ! كم أن الحب أناني ..هو من يدفعنا لأن نتخلى عن كل شيء مقابل من نحب.. للحب مجرة لا علاقة لها بأفلاكنا، فحين يجيء بجنونه ينسى الأخ أخاه، ويخون الصديق صديقه، ويتنكر الأب لأبنائه ، والأولاد لآبائهم وأمهاتهم ، وتجردنا السعادة من قوانا العقلية! الحب قدر يأتي دون اختيار، نحن لا نختار حين نحب، ولا نحب حين نختار، الانسان لا يقرر أن يحب ، ولا يستطيع أن يتجرد من عواطفه ويعيش بلا حب. الانسان يتدثر بدفء الحب، وحين يجتاحه يصبح أعمى البصيرة عن كل شيء .. الحب يأتي بلا تخطيط وبلا استئذان. نعدّ له أجمل غرفة في قلبنا ، ثم لا نلبث أن نسلّمه قلبنا شقة مفروشة. هو احتلال القلب بإرادتنا، هذا القلب كإشارة المرور: يرشد ، يحذر ، ينبه ، لكنه لا يمنع الحوادث ! كنت أدرك في قرارة نفسي بأن حكايات الحب غالباً ما تنتهي بمأساة ، فهو مثل الموت كلاهما ضربة قدر صاعقة ،لا أدري هل أحمل حباً أم موتاً ؟ وجد الحب لينسينا الموت ، فكلما تنازلنا عن مساحة من ذكرياتنا تقدم الموت واحتلها. الحب والموت هما أكبر لغزين في الحياة..لا أحد يعرف لماذا نقع في حب شخص بالذات دون سواه ،و لا أحد يدري لماذا يأتي الموت في هذا المكان دون غيره. لا أحد عاد من الموت ليخبرنا ماذا بعد الموت، لكن الذين عادوا من الحب ناجين أو مدمرين بإمكانهم أن يقصوا علينا عجائبه، ويصفوا لنا سحره ومصائبه ! الحب زلزال بمقياس ريختر بمرتبة إعصار وعلينا الاستعداد للهزات العاطفية والتكيف معها بتقوية عضلة القلب بتمارين يومية على الصبر. تقول التقارير العاطفية كلنا ضعفاء أمام الحب ،ولا أحد تعافى من الحب، لا أحد يعلّمنا كيف نحب ، كيف نتداوى من إدمان رؤية وصوت من نحب، كيف لا نسهر، كيف لا ننتظر، كيف نطارد العواطف والأشواق ونحبط مؤامرة الذكريات ؟