خلاصة تجربة حكومة دياب : الله يحمي لبنان ( بالتلاتة) . . . و الفساد أكبر من الدولة !

 

خاص باب الشرق

حملت تجربة حكومة حسان دياب معاني كاشفة لحال العرب وحكامهم، خاصة و أنها تجربة مكشوف صراعها مع القوى السياسية الممسكة بالبلد ومقدراته. إضافة إلى أن هذه القوى صوتها عال، وتعبيرها قوي… وأضيف لكل ذلك حراك شعبي يملك حقه في منازعة الحكم، كل الحكم، بسبب ما آلت إليه أحواله المعيشية على يد هؤلاء الحكام. وهكذا فإن لتجربة حكومة حسان دياب معاني معبرة عن حال الكثير من الدول العربية، من حيث علاقة الشعب بالحكم، ومن ممارسات الحكام….

جاءت حكومة حسان دياب نتيجة الحراك الشعبي الذي طالب بإسقاط الحكام في لبنان ( كلن يعني كلن) خاصة وأن هؤلاء الحكام دفعوا الدولة للإستحواذ على أموال الشعب المودعة بالبنوك ليقوموا هم بنهبها. كما أن فساد هؤلاء الحكام جعل لبنان دولة مظلمة بدون كهرباء أو ماء أو مدارس أو أعمال، لذلك انتفض الشعب يريد النيل من الحكام ( كلن يعني كلن) مطالباً بحكومة مستقلين، تجري إنتخابات نيابية مبكرة، ليتم إستبدال أمراء الحرب الذين حكموا لبنان منذ التسعينات حتى الآن.. و هكذا جيئ بحكومة دياب على أساس أنها حكومة مستقلين، وشكلت من شخصيات نزيهة كفوءة تحمل مؤهلات علمية وتاريخاً مشهوداً من المهارة. ورميت هذه الحكومة في بحر المشاكل اللبنانية، من الأزمة الإقتصادية والدين العام الذي بلغ التسعين مليار دولار، مع أزمة كهرباء تلبس الشعب العتمة، وأزمة مصارف تسرق أموال المودعين، و كملتها أزمة وباء كورونا. وقيل لحكومة دياب( اتفضلي فرجينا شطارتك) ولكن ظلت القوى السياسية وأدواتها ممسكة برقاب الحكومة، ومحاصرة لها، مع استنفار للجلادين ممن أعتبروا أنفسهم معارضة. حتى حصل الإنفجار الكبير، و بدأت نغمة تحميل الحكومة مسؤولية هذه الكارثة المروعة و المخبأة في قميص اللبنانيين منذ العام 2013.

لم يختلف أحد في لبنان, أن حكومة دياب , تألفت من شخصيات كفؤة و نزيهة، و لكن جرى الخلاف حول إستقلالها. هي أكدت أنها مستقلة تماماً عن القوى السياسية و الحزبية، بينما اتهمها كثيرون بالتبعية للعهد العوني وحزب الله. وبعيداً عن السجال السياسوي، فإن حكومة دياب بالفعل، وربما تكون المرة النادرة في التاريخ اللبناني، الذي تشكل فيه حكومة من مثل هذه القدرات العلمية النزيهة والكفؤة. و يضاف إلى كل ذلك إعلانها إيمانها وتمسكها بمطالب الشعب، تجاه ضرورة محاربة الفساد، واستعادة المال المنهوب، وإصلاح المؤسسات، والتحضير لإنتخابات، تأتي بطبقة سياسية جديدة… وربما لكل ذلك، جرى حصارها من معارضيها، وحتى من رعاتها، حتى وصلت إلى الإستقالة التي أكملت كل معاني هذه التجربة …

من أهم معاني تجربة حكومة دياب أن القوى السياسية الفاسدة, المتحكمة بالدولة لا تسمح لأي نزاهة أو كفاءة أو إستقلالية، بممارسة نزاهتها و كفاءتها وإستقلاليتها، و تصنع هذه القوى ( جداراً سميكاً مانعاً تحميه بكل الأشكال الوسخة من أجل الإحتفاظ بالتحكم بالدولة) كما قال دياب في خطاب إستقالته..

هذه القوى المتحكمة بالدولة بكل الأشكال الوسخة هي الفساد المتجذر في البلاد و القادر على إعاقة أي إصلاح أو تغيير، لذلك قال دياب أنه أكتشف أن ( الفساد أكبر من الدولة .. و أنه المتحكم بها ).

من معاني تجربة حكومة دياب أن بيئة الفساد المتحكمة لا تفسد مؤسسات وهياكل الدولة فقط، بل تمنع أي محاولة نزيهة لمحاربة هذا الفساد، وتفشل أي تجربة كفؤة تسعى للإصلاح، وهذا ما استنتجه الكاتب المرموق جهاد الزين، عندما أعتبر أن ( نظام الإنحطاط ينحط بكل تمييز أو كفاءة، ويمنع أي إصلاح) وهكذا فإن نظام الإنحطاط الحاكم يرزح فوق أنفاس الكفاءات والنزاهة و المهارة، ليدفنها ويمنع التنفس عنها، ويلغيها لصالح إنحطاطه وفساده وعفنه. وهذا ما تفعله القوى الفاسدة المتحكمة بالأنظمة العربية ومنها النظام اللبناني…

ربما لكل ذلك، وجد حسان دياب، خلاصته من التجربة الحكومية تدفعه إلى إعلان ما يشبه اليأس من أهل الأرض، والتوجه إلى السماء داعياً ( الله يحمي لبنان.. الله يحمي لبنان .. الله يحمي لبنان.) و قالها بـ( التلاتة) لتكون لجوءاً جازماً لله. و طلاق بائن بينونة كبرى مع القوى السياسية الفاسدة التي تضع بين البلد والإصلاح جداراً سميكاً تستخدم في حمايته أوسخ الوسائل وأعفنها.

تجربة حكومة دياب، رغم لطف تعاملها مع القوى المتحكمة، إلا أنها قبلت التحدي لمواجهة الإنهيار الإقتصادي، وتلاعب المصارف، ونهب الفساد لأموال الدولة و الشعب. وبدأت العمل في محاربة الفساد، وإيجاد طرق للنهوض والإصلاح. و أستطاعت مواجهة وباء كورونا بتمييز. ومع ذلك فإنها حكومة طلب منها أن تصلح في أيام ما أورثه الفساد والإنحطاط للبلد خلال ثلاثين عاماً. ورغم جميع الملاحظات على أداء هذه الحكومة، ورغم الإعتراف بإمكانية وجود خلل هنا أو هناك في أدائها، إلا أنها تبقى تجربة للنزاهة والكفاءة والإستقلالية في مواجهة الفساد و الإنحطاط والنهب العام …. ألم نقل أن لبنان بات المختبر القادر على فحص أنظمة العرب في عصر الإنحطاط المنزلق إلى الهاوية بقوة و تسارع ؟!!!!

باب الشرق

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى