«خلف أردوغان» ينذر بأزمة داخل الحزب الحاكم

حسني محلي- إسطنبول | حكم رجب طيب أردوغان تركيا فعلياً منذ آذار 2003، تاريخ توليه رئاسة الوزراء. كان يملك ما يكفيه من الصلاحيات التي لا يملكها رئيس الجمهورية وفق الدستور التركي. نجح أردوغان طيلة السنوات الماضية، بفضل الأغلبية التي يملكها في البرلمان، في الانتقام من كل خصومه في العسكر والسياسة والإعلام. زجّ بالمئات من الجنرالات في السجون وأحكم سيطرته على رجال الأعمال والإعلام الذي أصبح بين ٧٠ و٨٠٪ منه موالياً له. وساهمت نجاحات الحكومة في قطاع الخدمات، وبخاصةٍ في الصحة والتعليم والبلديات، في كسب المزيد من المؤيدين لأردوغان. تمكّن الأخير بذكائه، وعبر إتقان الدعاية السياسية، من إقناع الناخب التركي بالتصويت له، على رغم فضائح الفساد الخطيرة التي طاولته ووزراءه.
جاءت انتخابات الأحد الفائت لتثبت حضور أردوغان القوي، وتمكّنه من الوصول إلى مبتغاه رغم كل ذلك، إذ يتمتع الرجل بكاريزما قوية تستطيع جذب رضا المواطن التركي.

أثار انتخاب أردوغان رئيساً للجمهورية نقاشاً مبكراً حول اسم من سيخلفه في رئاسة الحزب الحاكم ورئاسة الحكومة. ورأى البعض في قرار «العدالة والتنمية» عقد اجتماع طارئ لاختيار خلف لأردوغان، في 27 آب الجاري، مناورة ذكية من أردوغان لسد الطريق على غول الذي يبدو أنه كان يخطط للعودة الى السياسة من خلال زعامة الحزب، استعداداً لانتخابات البرلمان في تموز المقبل. واعتبر البعض هذا الأمر إشارةً الى أزمة جديدة محتملة داخل «العدالة والتنمية». وتشير المعلومات منذ فترة إلى عدم ارتياح عدد كبير من قيادات الحزب لسلوك أردوغان الاستبدادي داخل الحزب، وفي السياسة الداخلية والخارجية، بما في ذلك قضايا الفساد الخطيرة التي دفعت البعض من هذه القيادات، ومنها الأمين العام ووزير الداخلية السابق إدريس نعيم ونائب رئيس الحزب السابق مير فرات إلى الاستقالة. وسيعين أردوغان في ٢٧ الجاري زعيماً للحزب ليصبح في الوقت نفسه رئيساً للحكومة، وفق تعليمات وتوجيهات وأوامر رئيس الجمهورية الذي لا يملك صلاحيات واسعة، وهو ما يسعى أردوغان الى توسيعه عبر تغيير الدستور في حال انتصار حزبه في الانتخابات البرلمانية في تموز المقبل.

وسيكون هذا الانتصار كافياً لتغيير النظام السياسي القائم في البلاد، ليحكم أردوغان البلاد بصلاحيات مطلقة لفترتين دستوريتين تنتهيان عام ٢٠٢٤. حيث تبين المعطيات الحالية أن «العدالة والتنمية» سيبقى في السلطة حتى ذلك التاريخ، في ظل غياب المعارضة الجدّية للتخلص منه ومن حزبه. فقد أثبتت انتخابات الأحد أن حزب «الشعب الجمهوري» قد يواجه مشاكل داخلية جدّية تهدد مستقبله السياسي، ما يعني أن اليسار لن يكون بعد الآن بديلاً لحكومة «العدالة والتنمية»، لأن شعبية «حزب أتاتورك» في أحسن الأحوال لم تصل إلى٣٠٪. هذا على الأقل ما تظهره الأرقام، حيث انتخب نحو مليونين من أنصار هذا الحزب أردوغان الذي سيبقى حزبه في السلطة ما دام «الشعب الجمهوري» و«الحركة القومية» لن يتفقا على مشروع انتخابي مشترك. وسيشهد تموز المقبل، موعد هذه الانتخابات، انتصاراً جديداً لـ«العدالة والتنمية» الذي سيبقى في السلطة إلى أن يعود أردوغان من القصر الجمهوري ويترأس الحكومة من جديد عام ٢٠٢٤!

قبلها بعام، سيحتفل الأتراك بالذكرى المئوية لتأسيس الجمهورية التركية التي قد يقضي أردوغان عليها خلال السنوات المقبلة. وربما سيتمكّن «السلطان» من محو كل ما تبقى من إرثها السياسي والعقائدي والاجتماعي والثقافي، في محاولة منه لأسلمة الدولة والمجتمع التركي.
ووسط عجز المعارضة العلمانية، يبقى الرهان على أربعة احتمالات قد تؤدي إلى التخلص من أردوغان في أي لحظة: أولاً، انفجار الصراع بينه وبين وغول وانعكاس ذلك على وحدة الحزب وقوته. ثانياً، تغيير قيادات حزب «الشعب الجمهوري» و«الحركة القومية»، وظهور قيادات شابة يمكنها كسب تأييد الجماهير التركية ضمن برامج سياسية واقتصادية واجتماعية واضحة، تساهم في تصويت الأتراك لهذين الحزبين. ثالثاً، تدهور الوضع الاقتصادي والمالي فجأةً، ما سيثير نقمة على أردوغان، لأن حياة المواطن العادي ستغلب كل الآراء السياسية والإيديولوجيات. رابعاً، دخول واشنطن على الخط في الاحتمالات الثلاثة المذكورة، لما لها من دور وثقل في مجمل حسابات السياسة التركية، بما فيها العسكر والاقتصاد. ويكفي أن نذكر أن نحو ٧٠٪ من قطاع المصارف وبورصة إسطنبول يتحكم فيها الاستثمار الأجنبي الذي إن قرر مغادرة تركيا فسيطيح أردوغان إن لم يطح الدولة كلها!

صحيفة الأخبار اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى