خمسة تفسيرات لهجوم “الدولة الإسلامية” المرجح في جنوب الأردن
اكد بيان صادر عن ادارة الاعلام الأمني في الأردن “انتهاء العملية الإرهابية” التي نفذها مجموعة من المسلحين، في منطقة الكرك السياحية، جنوب الأردن، واسفرت عن مقتل تسعة اشخاص بينهم خمسة من رجال الشرطة وسائحة كندية، ولكن تداعياتها، والنتائج التي يمكن ان تترتب عليها، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا تبدو مكلفة جدا على المديين المتوسط والبعيد.
احباط هذا الهجوم، وتحرير الرهائن من ايدي المهاجمين الذين تحصنوا في قلعة الكرك الاثرية التاريخية، امر متوقع بالنظر الى كفاءة القوات الأمنية الخاصة التي هرعت الى المكان، وتوصف بأنها الأكثر احترافية في منطقة الشرق الأوسط بأسرها، ويتزعمها احد افراد الاسرة الحاكمة (الأمير راشد بن الحسن)، ولكن المشكلة الكبرى تكمن في تكرار هذه الهجمات بين الحين والآخر، وتزايد اعداد ضحاياها، الامر الذي يدفع كثير من المراقبين الى الحديث عن اختراقات امنية محتملة.
عام 2016 الذي يلفظ أنفاسه الأخيرة شهد اكثر من اربع هجمات نفذها متشددون إسلاميون في عدة قواعد امنية حساسة جدا، كشفت عن نجاح هؤلاء، والجماعات التي ينتمون اليها، ويحملون فكرها، في اختراق هذه المواقع التي يتواجد فيها خبراء من العسكريين الأمريكيين، كان آخرها، أي الهجمات، الشهر الماضي تشرين الثاني (نوفمبر)، ووقع امام بوابة قاعدة تدريب عسكرية في الجفر، جنوب البلاد، واستهدف قافلة من السيارات لعسكريين أمريكيين مما أدى الى مقتل أربعة منهم، علاوة على ضابط اردني خامس، يعتقد انه اطلق النار عليهم، وفي السادس من حزيران (يونيو) الماضي هاجم مسلح اردني مركزا “للمخابرات الأردنية في مخيم البقعة وقتل 5 من عناصره، وقيل انهم اعتقلوه وعذبوه بطريقة مهينة وعقد العزم على الانتقام، وفي آذار (مارس) الماضي قتل ضابط اردني وسبعة متشددين في اشتباكات، وتردد ان هذه الخلية كانت تعد لعملية إرهابية في مدينة اربد.
***
لم تعلن الحكومة الأردنية حتى كتابة هذه السطور عن هوية الخلية التي نفذت الهجوم على قلعة الكرك، ولكن اصابع الاتهام تشير الى تنظيم “الدولة الإسلامية” الذي يخوض معارك ثأرية ضد المؤسسة الأردنية، بدأت بإتهام هذه المؤسسة في لعب دور رئيسي في اغتيال مؤسسه ابو مصعب الزرقاوي “امير” تنظيم “القاعدة” في العراق، وبلغت ذروتها اثناء انضمام الأردن الى التحالف الدولي لاجتثاث هذه “الدولة” في العراق وسورية، واسقاط طائرة الطيار الشاب معاذ الكساسبة، وحرقه حيا بطريقة بشعة، ومن المفارقة ان الطيار ينتمي الى منطقة الكرك التي شهدت هجوم اليوم.
الإنجاز الكبير الذي حققه الأردن ومؤسسته الأمنية والعسكرية، يتمثل في تحقيق اكبر قدر ممكن من الاستقرار في جوار ملتهب بالحروب السياسية والطائفية، ولكن تعدد الهجمات وتناسخها، وتنفيذها من قبل عناصر تتبع جماعات متشددة يشكل تهديدا متسارعا لهذا الإنجاز.
تنظيم “الدولة الإسلامية” او “داعش” يحظى بتأييد في بعض الأوساط الشعبية الأردنية المحبطة من غلاء المعيشة وارتفاع البطالة في أوساط الشباب، وضخامة الهوة بين الأغنياء والفقراء، وهي هوة تتسع يوما بعد يوم، وبدأت تأخذ طابع الصراع الطبقي.
الهجوم الكبير الذي وقع في الكرك ينطوي على العديد من المخاطر من حيث توقيته ومعانيه، وجوانبه السياسية والمناطقية، ويمكن تلخيص القراءات الأولية له على الشكل التالي:
الأولى: انه يأتي في وقت بات استقرار الأردن حتميا وضروريا لجذب الاستثمارات والسياحة الأجنبية، لتعويض توقف المنحة السنوية الخليجية التي تقدر بحوالي مليار دولار لمدة خمس سنوات، وانخفاض تحويلات الأردنيين العاملين في دول الخليج بسبب انخفاض العوائد النفطية.
الثانية: تفاقم الازمة الاقتصادية في البلاد، حيث بلغ الدين الاردني العام 35 مليار دولار، وخدماته حوالي ملياري دولار سنويا، وكشفت ميزانية العام المقبل التي أعلنتها حكومة الدكتور هاني الملقي عن عجز في حدود مليار ومئة مليون دولار، واصبح الدين العام يمثل حوالي 93 بالمئة من اجمالي الناتج القومي العام، وهي اعلى نسبة في الشرق الأوسط، وربما في العالم الثالث أيضا.
الثالثة: محاولات الحكومة لمواجهة هذا العجز في الميزانية وتسديد اكبر نسبة ممكنة من فوائد الدين العام باتت تحتم عليها فرض ضرائب جديدة، تشمل 95 سلعة أساسية بينها الخبز، ومن غير المستبعد ان يكون لهذه الضرائب انعكاسات شعبية سلبية، فالمواطن الأردني يعاني من غلاء فاحش بسبب ارتفاع الاسعار، وكشفت مجلة “الايكونومست” في آخر تقاريرها ان العاصمة الأردنية عمان هي الاغلى من بين نظيراتها في المنطقة العربية من حيث تكاليف المعيشة، بينما يحتل الدخل الفردي للمواطن الأردني النسبة الأدنى عربيا، بعد اليمن والصومال.
الرابعة: اختيار منفذي الهجوم الأخير مدينة الكرك وقلعتها يوحي بوجود مخطط لتخريب قطاع صناعة السياحة في الاردن، تماما مثلما فعلت الجماعات نفسها في تركيا من خلال تفجيراتها مناطق اثرية في العاصمة التاريخية إسطنبول، وهي الهجمات التي أدت الى انخفاض العوائد السياحية للخزينة التركية التي تقدر بحوالي 36 مليار دولار سنويا الى اقل من النصف، وهروب نسبة كبيرة من رؤوس الاموال والاستثمارات الأجنبية، وتدهور سعر الليرة، وانخفاض نسبة النمو الاقتصادي الى اقل من ثلاثة في المئة، بعد ان فاقت نسبة العشرة في المئة عام 2010.
الخامسة: اللافت ان النسبة الأكبر من هذه الهجمات الإرهابية وقعت في الجنوب الأردني الذي يعتبر الداعم الرئيسي للنظام، والمخزون البشري الأبرز للمؤسستين الأمنية والعسكرية.
***
الجملة الأبرز، والاهم، في خطاب العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني امام الجمعية العامة للأمم المتحدة قبل شهرين، تمثلت في قوله انه يأتي من بلد فرغ لتوه من انتخابات برلمانية ديمقراطية في منطقة تسودها الحروب والاضطرابات والأزمات الأمنية، وهذا تلخيص مهم وحقيقي، فوضع الأردن يعتبر الأفضل بالمقارنة بمصائب جيرانه، ولكن التحدي الأكبر في رأينا هو الحفاظ على هذه الصورة التي تبدو اقل قتامة، ولا نقول الأكثر وردية، خاصة ان العام المقبل قد يشهد تغييرات جذرية في ظل تقدم التحالف الروسي السوري الإيراني في جبهات القتال السورية، ونجاحه في استعادة حلب، وبدء استعداداته للهجوم على ادلب للقضاء على آخر معقل للمتشددين الإسلاميين.
خسارة “الدولة الإسلامية” لعاصمتها الموصل (العراق) والرقة (سورية)، سيدفعها حتما للانتشار والعمل تحت الأرض، والأردن ليس بعيدا، الامر الذي قد يشكل صداعا امنيا مختلفا، ويتطلب الكثير من الاستعداد والحذر، ونكتفي بهذا القدر.
صحيفة رأي اليوم الألكترونية