خيارات تركيا في سوريا
يواصل الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، تهديداته لسوريا، وتحديد مواعيد نهائية للقيام بعملية عسكرية ضدّ الجيش السوري. فبعدما كان حدّد نهاية شباط مهلة لانسحاب القوات السورية إلى «حدود اتفاقية سوتشي»، ها هو يهدّد بأنه إذا لم تلتزم سوريا بالاتفاقية فقد يقوم بعمل عسكري قبل نهاية شباط. وعلى ما يبدو، فإن إردوغان، الذي راهن على أن تهرع موسكو إليه وتتوصل إلى اتفاقية جديدة تحت التهديد، لا يشعر بارتياح لردّ الفعل الروسي السلبي، ولذا زاد ضغطه على سوريا وروسيا بإرسال المزيد من الدبابات والصواريخ والمدافع والجنود إلى منطقة إدلب، في عملية انتشار واحتلال استباقية، بهدف خلق أمر واقع جديد. وإذ قال إردوغان إنه سيعمل على «تنظيف سوريا من التنظيمات الإرهابية وظلم النظام»، أعرب عن سروره بأنه «يمكن فعل ذلك بدعم أصدقائنا». وفي هذا، كان يشير إلى الدعم الذي يمكن أن تقدّمه الولايات المتحدة و«حلف شمال الأطلسي» والاتحاد الأوروبي إلى تركيا، خصوصاً بعد التصريحات الأميركية المتكرّرة الداعمة للموقف التركي.
ورأت صحيفة «صباح» التركية أن بإمكان واشنطن فعل الكثير في هذا الإطار: من تسليح المعارضة، إلى ضرب قواعد النظام الحساسة، وصولاً إلى اقتراحات جديدة للأمن القومي التركي. وذكّرت بتصريح وزير الدفاع، خلوصي آقار، الذي قال إنه «ينتظر دعماً جديداً وملموساً من حلف شمال الأطلسي». وقالت الصحيفة إن من غير المنتظر أن تقدّم أوروبا دعماً لتركيا سوى الدعم المالي من ألمانيا للاجئين السوريين. واعتبرت أن تركيا اضطرت إلى التعاون مع روسيا بسبب سياسة واشنطن الخاطئة تجاه سوريا، مضيفة أنه في حال قامت الولايات المتحدة بأخذ زمام المبادرة، فبإمكانها أن توسّع نفوذها في سوريا، وفي حال لم تقم بذلك فسيكون عبثاً البحث في إعادة تصحيح العلاقات التركية – الأميركية. لكن الكاتب باريش دوستر حذّر، في صحيفة «جمهورييت»، من أن استدعاء الولايات المتحدة لا يؤدي إلى حلّ، بل سيصعّبه، إذ إن واشنطن تتراجع في العالم، ولم تستطع حتى الآن حلّ مشكلتها مع إيران وكوريا الشمالية وفنزويلا، كما أنها لا تريد سوى تقسيم دول المنطقة عبر التنظيمات الإرهابية. و«من يُرد دعم حلف «شمال الأطلسي»، إنما يستدرج التدخل الأميركي والانتداب الأميركي على تركيا، وهذا يجب ألا يحصل» كما قال.
وفي صحيفة «غازيتيه دوار»، كتب متين يغين أن تركيا «لا ترغب في حسم المسألة السورية وإيجاد حلّ لها، وهي لم تحلّ أيّ مشكلة تورّطت فيها. بعد مرور 46 عاماً على الاحتلال التركي لقبرص، ليس من يعترف بقبرص الشمالية سوى تركيا. وكذلك بالنسبة إلى المشكلة الكردية لا حلّ لها بعد. وفي العراق توجد تركيا ولا أفق لهذا الوجود. والأمر ينسحب على سوريا حيث إن استراتيجية إردوغان فيها هي اللاحل. وكم هو مؤسف أنه ينجح فيها». من جهته، انتقد أورخان بورصه لي، في صحيفة «جمهورييت»، اعتبار إردوغان سوريا شأناً تركياً داخلياً، معتبراً أن هذا يعني أن الحرب في سوريا ستستمرّ أداة أساسية لاستمرار سلطته في الداخل، الأمر الذي يناقض تماماً شعار أتاتورك «سلام في الوطن سلام في العالم». ورأى أن إردوغان يضع عربة الحرب أمام السلام، وهو يريد بذلك أن يمحو صورة أتاتورك التاريخية، مضيفاً أن «ما يفعله هو تحويل الجمهورية إلى مجرد إعلان، فيما تتطابق سياساته مع الذهنية العثمانية». وتابع أن كلّ ما يقوله ويفعله إردوغان، ومنه انتقاده «اتفاقية مونترو» حول المضائق عام 1936 بل وتلميحه إلى تغيير النشيد الوطني وهجومه على مؤلّفه محمد عاكف إرصوي، هو مجرد إقامة البنية التحتية لـ«تركيا الجديدة» التي يريد أن يحتفل بها عام 2023. وفي هذا السياق، تأتي «مسألة كسب الأرض في سوريا لتوسيع حدود تركيا، وذلك هو عصب سياسة إردوغان في سوريا منذ العام 2011. ومن الزاوية نفسها ينظر إلى البلقان والآن إلى ليبيا».
أما الكاتب محمد علي غولر، فعدّد أربعة خيارات أمام تركيا:
1- الخيار الأفضل: التعاون المباشر مع دمشق، لكن كون حزب «العدالة والتنمية» لم يتخلّ عن أجندته الخاصة فهو سيناريو غير قابل للتطبيق.
2- الخيار الجيد هو استمرار التعاون مع روسيا/ ومنع الولايات المتحدة من انتهاز الفرص.
3- الخيار الخاطئ هو الصدام بين تركيا وسوريا في إدلب.
4 – الخيار الأكثر سوءاً هو أن تنهض تركيا للتعاون مع الولايات المتحدة لتقسيم سوريا.
وحذر غولر من أن أنقرة تخطئ بجعل نفسها درعاً للإرهابيين في إدلب، وعليها أن تعترف بسيادة دمشق على أراضيها وتتعاون معها ضدّ الإرهاب، منبّهاً إلى أن أيّ حرب تركية مع سوريا ستكون الولايات المتحدة وإسرائيل أكبر الرابحين منها. و«ما قول مبعوث ترامب لدى سوريا، جيمس جيفري، عن قتلى تركيا في إدلب بأنهم (شهداؤنا) سوى دموع تماسيح» كما رأى غولر، خصوصاً أن مستشار الأمن القومي الأميركي، روبرت أوبرين، قال إنه لا يعتقد أن الولايات المتحدة سوف تتدخل في إدلب. أما الهدف المركزي الذي يسعى إليه إردوغان اليوم، فهو إقامة كوريدور لـ«الجيش الحر» على أنقاض الكوريدور الكردي. ولو لم يكن هدفه كذلك، لكان دخل مع روسيا منذ البداية في مسار اتفاق مع الأسد.
صحيفة الأخبار اللبنانية