«داعش» والأنظمة العربية.. التماهي بين الديني والسياسي

محمد محمود مرتضى – من منظمة صغيرة كانت تعمل في بعض المناطق في العراق وسوريا، الى منظمة اطلقت على نفسها اسم «الدولة الاسلامية» لتعلن لنفسها «الخلافة الاسلامية»، يمكن القول ان ما حققته «داعش» ليس عملا بسيطا.

لقد كان اقصى ما يطمح اليه هذا التنظيم ان يكون بديلا لتنظيم القاعدة بعد ان اصيب الاخير بالكثير من الاخفاقات وتلقى العديد من الضربات كان اقواها اغتيال زعيمه التاريخي اسامة بن لادن في شهر ايار العام 2011.

استطاع داعش خلال هذه الفترة اللعب على الانشقاقات الشعبية التي تجتاح المنطقة، انشقاقات لم تغب عنها الانظمة العربية كمسبب رئيس لها، جراء المنظومة الحاكمة منذ اكثر من نصف قرن، من دون اهمال ما اقترفته يد العرب في التحريض المذهبي والطائفي المدعوم بميزانيات خيالية وجحافل اعلامية.

كما لعبت داعش من جهة ثانية على الدوافع الكامنة داخل المجتمعات لاحداث تغييرات جوهرية وبنيوية في الانظمة الحاكمة، بعد فشل «الربيع العربي» في احداث هذا التغيير، ولجوء الانظمة المدعومة غربيا لاحداث تغييرات ما لبثت ان ظهرت انها شكلية.

كما استغل التنظيم ثالثا حالة التشتت التي تعيشها الجماعات المسمات «جهادية» بعد اغتيال بن لادن، وحالة الوهن التي ظهرت على زعيم التنظيم الجديد ايمن الظواهري، ما افقد التنظيم الوهج الذي كان يعيشه تحت قيادة بن لادن ما ادى بعناصر التنظيم للشعور بنوع من الفراغ الاستراتيجي.

دخل تنظيم «داعش» من خلال استغلال هذه العناصر الى الساحات التي تعاني اضطرابا. وغير خفي ان «داعش»، على سبيل المثال، دخل الساحة السورية بعد حوالي السنة من بدء الازمة فيها، وتراجع سيطرة الجيش السوري على بعض المناطق المحددة، لا سيما تلك التي تقع في الشمال والشمال الشرقي المتاخمة للحدود العراقية.

ان فكرة اعلان الخلافة ، بمعزل عن كونها تمثل محور الفكر السياسي لهؤلاء، تمثل عنصر جذب كبير داخل الدوائر «الجهادية». والواقع ان عنوان «الخلافة» لا يشكل عنصر جذب «للجهاديين» فحسب، بل يمثل فرصة مؤاتية عند اصحاب هذا المشروع لضرب الفكر السياسي الآخر مهما كان نوعه. ولا يخفى ان فكرة «الخلافة» سوف تغير من مشهد الاجتماع السياسي نظرا لكون هذا المفهوم لن يحكم فيه الا التيار المتطرف.

تكمن خطورة «داعش»، مقارنة بتنظيم «القاعدة»، ان الاول يعمل وفق ديناميات وتحالفات مبنية على رؤى مشتركة لمجموعة من الاهداف المشتركة بشكل مرحلي ما يجعل تحالفاته بعيدة عن فكرة «المبدئية» في اختيار الحلفاء، وقد ظهر هذا الامر جليا في تحالفاته العراقية والسورية مع القبائل والعشائر وبقايا نظام صدام حسين.

ومهما يكن من امر فان النموذج الداعشي هو افراز طبيعي لهذه الانظمة المستبدة. وفي الواقع فان آليات الخطاب بين هذه الانظمة و«داعش» تبدو متماهية بشكل كبير وان اختلفت التمسيات.

تقسم «داعش» الجميع وفق «الديني» الى معسكري كفر وايمان، بينما يقوم «السياسي» على التقسيم الى وطني وعميل، في ظاهرة تحمل بذور الالغائية للمسافة الفاصلة بين مبدأ التعددية والشمولية. وقد برزت هذه الالغائية واحتكار السلطة في خطاب البغدادي من جامع الموصل عندما استحضر في خطابه كلمة الخليفة الراشدي الاول ابو بكر الصديق، لكنه استبدل مفهوم «التقويم» بمفهوم «المناصحة» في اشارة الى الى «ديمومة» خلافته التي لن يقطعها سوى الموت.

ويبدو التماهي ايضا بين «الديني» و«السياسي» في النظر الى الحكم والحاكمية.

يعتبر «الديني» نفسه الممثل الوحيد للاسلام، يحتكر لنفسه حق قراءة النص، فهو الوصي عليه، بينما يعتبر السياسي نفسه الممثل الوحيد للسلطة وشرعية الدولة.

اسباب كافية تجعل كلا من الديني والسياسي يشعر بالتمايز عن الغير والاحساس بالفوقية، ما يجعلهما يُخضعان مفاهيم المساواة والانصاف والمحاسبة والمساءلة لمعاييرهما الخاصة التي تقوم على مبدأ الهيمنة على الشأن العام واحتكاره.

صحيفة السفير اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى