دبلوماسية وحرب الغاز الطبيعي في الشرق الأوسط 0(عامر راشد)

 

عامر راشد

يتحدث محللون إسرائيليون عن إعادة نسج العلاقات التركية- الإسرائيلية بهدوء، للعودة بها إلى سابق عهدها من دفء وتحالف، تحت خيمة منافع اقتصادية متبادلة تخفف من خشونة التعارض في المواقف السياسية إزاء الملفات الساخنة في المنطقة وتحيدها. ويدعي مختصون إسرائيليون في التوجهات الإستراتيجية أن تركيا بزعامة رجب طيب أردوغان بدأت منذ شهور تقلل من طموحاتها الإقليمية، بلعب دور قيادي إقليمي في المنطقة، انطلاقاً من الملفات الفلسطينية والسورية والعراقية في مواجهة المد الإيراني والدور الإقليمي الإسرائيلي.
ويستنتج المختصون الإسرائيليون من تراجع طموحات الزعامة الإقليمية لدى تركيا أن ذلك سيقود بالضرورة إلى تقارب تركي- إسرائيلي، وما يبطئ من سرعة ذلك عدم الثقة بين القيادتين التركية والإسرائيلية، التي تلعب الحساسية المفرطة بين أردوغان ونتنياهو دوراً كبيراً فيها. ويتوقع محللون إسرائيليون أن يحجم أردوغان عن التسريع في تطبيع العلاقات مع تل أبيب قبل الانتخابات الرئاسية التركية في الصيف القادم، التي يعمل على الترشح لها، ولتلافي أي انتقادات من الأفضل له أن يخرج ملف العلاقات التركية- الإسرائيلية من بورصة الانتخابات الرئاسية، لاسيما أن العلاقات في شكلها الراهن نزع منها فتيل التوتر.
العنصر الرئيس في جديد العلاقات، كما يرى محللون إسرائيليون، الاهتمام التركي باكتشاف مخزون كبير من الغاز الطبيعي في سواحل البحر المتوسط، لإسرائيل النصيب الأكبر فيها، بينما تزداد حاجة تركيا لإمدادات كبيرة من الغاز الطبيعي تبعاً لنمو وتوسع اقتصادها، وتخوف أنقرة- حسب محللين إسرائيليين من زيادة تبعيتها للدولتين الرئيستين اللتين تستورد منها الغاز الطبيعي، وهما روسيا وإيران، وفي خلفية المخاوف التركية الخلافات مع موسكو وطهران حول الدور الإقليمي لأنقرة من بوابة الأزمة السورية، بالإضافة إلى طموح تركيا لتثبيت دور قوي لها في منطقة آسيا الوسطى.
إلى جانب أن تركيا لا يمكنها أن تتجاهل إغراء الحصول على أسعار تفضيلية في أسعار الغاز الطبيعي إسرائيل مستعدة لتقديمها، كبديل يوفر على أنقرة مبالغ ضخمة، حيث تدعي الأخيرة أن موسكو وطهران تفرضان عليها أسعار مرتفعة للغاز الطبيعي الذي تستورده منهما. وثانياً؛ تعول تركيا على أن تستفيد شركات الإنشاء التركية من مشاريع خط الأنابيب لتصدير الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا.
تجدر الإشارة هنا إلى أن السقف الزمني المتوقع لبدء إسرائيل بإنتاج الغاز الطبيعي بكميات تجارية وتصديره هو النصف الثاني من 2014، وهذا يشجع أردوغان على عدم التسرع في إعادة الدفء للعلاقات مع تل أبيب في شكل معلن، وخلال الوقت المستقطع سيرتب كلا الجانبين التركي والإسرائيلي أوراقه لانطلاقة جديدة بدافع من دبلوماسية الغاز الطبيعي، على حد تعبير أحد المحللين الإسرائيليين، وستتضح عناصر رئيسية في معادلات العديد من الملفات الخلافية بين الجانبين، وأبرزها الأزمة السورية والقضية الفلسطينية والموقف من نظام الحكم الجديد في مصر. ويمكن للوساطة الأميركية بين أنقرة وتل أبيب أن تذلل الكثير من العقبات التي قد تظل عالقة بين الطرفين.
الانفراج المتوقع في العلاقات التركية- الإسرائيلية يقابله عنصر توتر جديد في العلاقات الإسرائيلية- اللبنانية، واحتمال بروز توتر مصري- إسرائيلي ظل مؤجلاً خلال السنوات الماضية.
لبنانياً، تتهم الحكومة اللبنانية إسرائيل بأنها تعمل على سرقة مخزون الغاز الطبيعي في الميادة الإقليمية اللبنانية. وتزامنت تلك الاتهامات مع إعلان شركة "نوبل" للطاقة الأميركية، عام 2010، بعد فحوص زلزالية ثلاثية الأبعاد عن فرصة بنسبة 50% لاكتشاف حقل هائل للغاز يسمى "لفيتان"، يحوي ما لا يقل عن 16 تريليون قدم مكعب في منطقة امتياز لها في البحر المتوسط.
وفي تحقيق أجرته صحيفة "المستقبل" اللبنانية، 8/6/2010، أكدت الصحيفة أن الخريطة المرفقة تظهر أن التنقيب في الحقول المسماة روت، تمار، لفيتان وألون، يجري في مناطق إما تتداخل مع مناطق مقابلة للشواطئ اللبنانية أو في مناطق بعيدة جداً عن أن تكون مقابل الشواطئ الإسرائيلية. وتشهد المعطيات على أن شركات "نوبل للطاقة" و"ديلك" حازتا من إسرائيل امتيازا للتنقيب في الحوضين المسميين ألون "أ" وألون "ب" اللذين يمتدان إلى قبالة الشواطئ القبرصية، بل إن شركة "نوبل" لا تخفي أن الدراسة التي بنت عليها تقديراتها تغطي منطقة تسمى بلوك 12 في المياه القبرصية.
أما مصرياً، فلا توجد اتهامات رسمية مصرية لإسرائيل بسرقة الغاز المصري من المياه الإقليمية المصرية، بل أصدر وزير النفط المصري في الأول من كانون الثاني/يناير 2012 قراراً باعتبار حقل الغاز "أفروديت" يقع في المياه الإقليمية الاقتصادية لقبرص، لكن هناك اتهامات من قبل خبراء وجهات حقوقية مصرية، وفي تشرين الأول/أكتوبر 2012 أقام كل من المهندس الاستشاري ممدوح حمزة واللواء أركان حرب متقاعد صلاح الدين سلامة وعادل شرف المحامي دعوى قضائية أمام محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة، طالبوا فيها بإلغاء قرار وزير البترول الصادر في 1 كانون الثاني/ يناير 2012 باعتبار حقل الغاز "أفروديت" يقع في المياه الإقليمية الاقتصادية لقبرص، مع وقف سرقة الغاز من حقلي لفياثان وشمشون من قبل إسرائيل. وطالبت الدعوى، وفقاً لما نشرته صحيفة "روز اليوسف" في 15/10/2012، بإصدار حكم بإلزام إسرائيل بعدم التنقيب في حقلي لفياثان وشمشون، والتأكيد على عزم مصر توقيع عقوبات على الشركات التي تنقب على الغاز والبترول في الحقلين، واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة لذلك، وأكدت الدعوى على ضرورة تكثيف التواجد العسكري بشرق البحر المتوسط، وعمل الدوريات العسكرية اللازمة لحماية المنطقة مع سرعة إتمام صفقة الغواصتين النوويتين الألمانيتين من ألمانيا، أسوة بإسرائيل، حتى تستطيع القوات المسلحة حماية الآبار والثروات من السرقة والاغتصاب والاعتداء عليها من قبل كل من إسرائيل وقبرص. وأوضحت الدعوى أن حفر إسرائيل في حقل لفياثان وإعلان اكتشاف الغاز فيه عام 2010 يمثل اعتداء على المياه الاقتصادية المصرية، حيث يقع هذا الحقل من شمال دمياط مسافة 188 كيلومتراً، بينما يبعد عن حيفا 235 كيلومتراً، وكذلك حفر إسرائيل في حقل شمشون الذي يبعد عن شمال دمياط 114 كيلومتراً بينما يبعد عن حيفا 337 كيلومتراً.  وهكذا؛ إن اكتشاف الغاز الطبيعي في مياه البحر المتوسط قد يكون عمل تقارب تركي- إسرائيلي، وبالمقابل عامل توتر إسرائيلي- لبناني وإسرائيلي مصري، ما يشير إلى أن المنطقة مقبلة على مرحلة من التفاهمات والتوترات يمكن تسميتها مجازاً بـ" حقبة دبلوماسية وحرب الغاز الطبيعي في الشرق الأوسط".

وكالة أنباء موسكو

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى