دراسة| الأقليات الإيرانية.. ثغرات تسمح باختراق وضرب الأمن القومي
رغم أن إيران نجحت في احتواء الحركات التحررية، وقامت باختراقها وتوجيهها خارج الحدود الإيرانية؛ بهدف إفشال مشروع مثيلاتها خارج الحدود الإيرانية الرامي إلى تشكيل دول قومية، فإن طبيعة تركيبتها من مركز فارسي شيعي وأطراف من أقليات فارسية وسنية، تعطي ثغرات أمنية لجهات معادية لإيران لإيجاد حالة من عدم الاستقرار، ووجود أقليات قومية ودينية، بالإضافة إلى مزاياها ومحاسنها، من الممكن أن يتحول ذلك إلى تهديد للأمن القومي الإيراني.
وبعد مرور سريع على التاريخ الإيراني المعاصر، نشاهد في الـ100 عام الأخيرة قيام أقليات قومية في إيران بإعلان عن إدارات ذاتية وجمهوريات في محافظات كردستان، وأذربيجان، وكيلان، الإيرانية، حيث تعتبر إيران إحدى أكبر الدول التي توجد على أرضها قوميات وأعراق وأديان متنوعة تمتلك لغات وعادات وثقافات وقيم مختلفة.
وكما هو واضح، فإن تلك القوميات تختلف فيما بينها في اللغة والثقافة والمذهب؛ وهو ما يجب أن تضعه الدولة في عين الاعتبار، خاصة مع تزايد التعداد السكاني لتلك القوميات. ويمكن تقسيم الأقليات إلى أقليات مسلمة، وأخرى غير مسلمة؛ وتتكون الأقلية المسلمة من الجماعة السنية، والجماعة الإسماعيلية، والجماعات الصوفية؛ أما الأقليات غير المسلمة فتضم المسيحية، والزرداشتية، واليهودية، والبهائية وطوائف أخرى. تركيبة القومية في إيران تتكون من الناحية الجغرافية من القسم المركزي، وهو قسم متجانس من ناحية القومية واللغة والمذهب، وقسم الأطراف، وهو قسم غير متجانس من ناحية القومية واللغة والمذهب. والقوميات في إيران تنقسم إلى ثلاث مجموعات على الشكل التالي:
المجموعة الإيرانية: وتشمل الأفغانيين، وهزارة، والبلوش، والبختياريين، والفرس، والأصفهانيين، والكرمانيين، واليزيديين، والكيلانيين، والمازندرانييين، والطالشيين، والكورد، واللر.
المجموعة غير الإيرانية: وتشمل الترك، والقشقايين، والتركمان، والمغول، والأرمن، والعرب، واليهود، والآشوريين.
والمجموعة الثالثة: تتكون من ثقافات قومية، وقبائل، وعشائر وطوائف وأعراق مختلفة أخرى.
تركيبة القوميات في إيران
1 – الأذريون: تعتبر من أكبر القوميات في إيران، يسكنون في شمال غربي إيران في محافظات أذربيجان الغربية، وأذربيجان الشرقية، وأردبيل، وزنجان، وقزوين، وهمدان، وغرب كيلان. الأذريون يختلفون من ناحية اللغة مع القومية الفارسية، لكن يوجد نقطة مشركة، وهي المذهب الشيعي. الأذريون في إيران لديهم نقاط مشتركة من ناحية اللغة، القومية والمذهب مع الأذريين في جمهورية أذربيجان.
2 – الأكراد: بعد الفرس والأذريين يعتبر الأكراد ثالث قومية تعيش في إيران. الأكراد هم من عرق الهند – أوروبي ويسكنون في منطقة كردستان منذ قرابة أربعة آلاف سنة وكانوا منتشرين على أطراف بحيرة وان ومنطقة القوقاز ونهر جلة، وبمرور الزمان استقروا في منطقة كردستان. يوجد الأكراد في غرب إيران، وخصوصًا في محافظة كردستان، وجنوب محافظة أذربيجان الغربية، محافظة كرمانشاه ومحافظة إيلام. ومناطق سكناهم تعتبر امتدادًا جغرافيًا لمناطق يسكن فيها الأكراد في شمال العراق وجنوب شرقي تركيا وشمال شرقي سوريا. وتوجد أقلية أيضًا في شمال محافظة خراسان ودولة أرمنستان. يتكلم الأكراد اللغة الكردية وبلهجات الكرمانجية، والسورانية، والزازاية، والكورانية، والكلهورية. من الناحية المذهبية ينقسم الأكراد في إيران على المذهبين السنة والشيعة. أكراد محافظتي كردستان وأذربيجان الغربية الإيرانية هم على المذهب السني وأكراد محافظتي كرمانشاه وإيلام هم على المذهب الشيعي. أكراد إيران يختلفون من النواحي المذهبية والقومية واللغة عن المركز وفي المقابل ينسجمون مع أكراد الدول المجاورة لإيران، وخصوصًا العراق. يعتبر الأكراد من أقدم القوميات الإيرانية ويشكّلون في الوقت الحاضر التركيبة الأساسية من السكان في أربع دول، من بينها إيران والعراق وتركيا وسوريا؛ حيث يبلغ عدد السكان الأكراد نحو 30 مليون نسمة. وبعد الفتوحات الإسلامية اعتنق الأكراد الدين الإسلامي، مع وجود أقلية من الطوائف الأخرى التي تقطن ضواحي كرمانشاه، من أمثال الكلهر والسنجاب وأقلية كردية تعتنق المذهب الشيعي، إلا أن السواد الأعظم من القومية الكردية يعتنق المذهب السني الشافعي.
3 – العرب: يسكن العرب في القسم المركزي وجنوب غربي محافظة خوزستان الإيرانية. يقع الأعراب في غرب وجنوب محافظة خوزستان الإيرانية ويختلفون عن المركز من ناحية اللغة والقومية ويشتركون مع المركز من ناحية المذهب وهو الشيعي.
4 – البلوش: يسكن البلوش في محافظة سيستان وبلوجيستان الوقع جنوب شرقي إيران ولهم امتداد جغرافي وقومي في جنوب غربي أفغانستان وشرق باكستان. من ناجية القومية واللغة والمذهب يختلف البلوش عن المركز الفارسي الشيعي المذهب.
5 – التركمان: بالإضافة إلى موطنهم الأصلي وهو تركمانستان، يعيش التركمان في بلدان إيران، والصين، وأفغانستان، وتركيا، والعراق. ويسكنون في محافظة كلستان ومحافظة خراسان الشمالية، وبالتحديد في أقضية قوجان، وبجنورد وسرخس. من نواحي اللغة والقومية والمذهب يختلف التركمان مع المركز ولهم امتداد داخل دولة تركمانستان.
6 – اللرية: اللريّون هم قومية تعيش في غرب وجنوب غربي إيران. ينقسم اللرية إلى لر الكبرى ولر الصغرى. لر الكبرى تعيش في محافظة كهكيلوية وبوير أحمد، وفارس، وجهار محال، وبختياري، وأقسام في محافظات أصفهان، وخوزستان، ومحافظة لورستان الإيرانية، ولر الصغرى تعيش في محافظة لرستان، وإيلام، جنوب كرمانشاه ومحافظات همدان وخوزستان الإيرانية. على عكس الأكراد والتركمان والعرب والبلوش، القومية اللرية في تجانس من ناحيتي المذهبية واللغة.
المذاهب في إيران
1 – السنة: وتعتبر الطائفة السنية من أكبر الأقليات في إيران، حيث إنها تُشكّل عشرة في المائة من مكونات الشعب الإيراني، ومما يجعل الأقلية السنية أكثر تفاوتًا من غيرها في التنوع القومي الذي تتميز به، حيث إنها تتكون من قوميات أخرى، هي البلوشية والتركمانية؛ وهما من الأقليات الكبيرة نسبيًا. ومن المؤسف أن المناطق التي يسكنها أهل السنة في إيران تعتبر من أشد المناطق فقرًا وترديًا مقارنة بالمناطق الأخرى. كما أن نسبة البطالة في هذه المناطق مقارنة أيضًا بالمناطق الأخرى تعتبر الأعلى نسبة، ومعدل التنمية الاقتصادية هو الأدنى بالنسبة لبقية المناطق الإيرانية. يضاف إلى ذلك أن سياسة الدولة الإيرانية في تلك المناطق هي الأكثر تشددًا؛ مما يدفع تلك الأقليات إلى تشكيل مقاومات تدافع من خلالها عن هويتها. وقد زادت هذه الظاهرة في السنوات الأخيرة حتى وصلت لمواجهات أمنية مع تلك الأقليات في مناطقهم. تتميز المناطق السنية من عدم امتدادها من الناحية الجغرافية ويفصل بينها محافظات شيعية، فبين أهل السنة في الغرب والجنوب توجد محافظتا كرمانشاه وإيلام الشيعية ويفصل بين أهل السنة في الشمال وأهل السنة في الشرق محافظة مشهد الشيعية. أهل السنة الساكنون في شرق إيران لهم امتداد جغرافي وقومي ومذهبي داخل باكستان وأفغانستان. والسنة من الساكنين في شمال شرقي إيران لهم امتداد مع أهل السنة من الساكنين في آسيا الوسطى. في جنوب إيران، السنة لهم امتداد مذهبي داخل دول الخليج. وفي غرب إيران معتنقو أهل السنة من الأكراد يمتدون ويتجانسون من أهل السنة في الشمال العراقي ويتحدون معهم من الناحية الجغرافية والقومية والمذهبية واللغة.
أ – الحنفيون: يتوزع أهل السنة من المذهب الحنفي على الحدود الشرقية الإيرانية ويمتدون باتجاه الجنوب والشمال، ويبدأون من شرق محافظة خراسان وحتى جنوب محافظة سيستان وبلوجيستان الإيرانية الحدود الشرقية لإيران، ويمتدون باتجاه الجنوب ليصلوا إلى محافظة هرمزكان وعدد من جزر الخليج لغاية ميناء لنكة ومن جهة الشمال يبدأون من شرق بحر مازندران، والذي يسكن فيه التركمان ليمتد باتجاه الشمال الغربي لحافظة خراسان.
ب – الشافعيون: يتوزع الشافعيون في غرب إيران، وبالتحديد في محافظة كردستان وجنوب محافظة أذربيجان الغربية الإيرانية وقسم من محافظة كرمانشاه الإيرانية.
2 – المسيحيون: عدد المسيحيين في إيران قليل جدًا ويوجدون في محافظات أصفهان، وطهران وأذربيجان الغربية وليس لهم مواقع جغرافية محددة.
3 – الزرادشتيون: يتمركز الزرادشتيون في العاصمة طهران ومحافظة يزد الإيرانية.
امتداد القوميات خارج الحدود الإيرانية
1 – من الناحية القومية، البلوش في جنوب شرقي إيران لهم امتداد جغرافي وقومي مع ولاية بلوجيستان في باكستان.
2 – لدى القومية التركمانية في شمال شرقي إيران امتداد جغرافي وقومي مع دولة تركمانستان.
3 – الأذريون الساكنون في شمال غربي إيران لهم امتداد قومي وجغرافي في جمهورية أذربيجان.
4 – القومية الكردية لها امتداد قومي وجغرافي في العراق وتركيا وسوريا.
5 – العرب من الساكنين في جنوب غربي إيران لهم تمدد قومي وجغرافي في العراق والوطن العربي.
البعد الأمني للقوميات في إيران
1 – بعد ميلاد الدولة الإيرانية الحديثة عام 1921 والأعوام الأخيرة للحرب العالمية الثانية وبعد الثورة الإسلامية في عام 1979، وبالأخص بعد الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الكبيرة في إيران، شهد تحرك القوميات الإيرانية باتجاه الهروب من المركز باتجاه دول جوار إيران لتشكيل دولة مستقلة. الظروف المهيئة للتدخل.
2 – وقوع إيران بين 10 دول بقوميات مختلفة ووجود 50 لغة ولهجة و5 قوميات داخلية (الأتراك، والكرد، والعرب، والبلوش، والتركمان).
3 – توجد قوميات غير فارسية في 10 محافظات حدودية، والتي تشمل محافظات (أذربيجان الغربية، وأذربيجان الشرقية، وأردبيا، وزنجان، وفارس/ القومية التركية، ومحافظة كردستان، وأذربيجان الغربية، وكرمانشاه، وإيلام/ القومية الكردية، وخوزستان، وموانئ وجزائر الجنوب القومية العربية، ومحافظة سيستان وبلوجيستان/ القومية البلوشية، ومحافظة كلستان/ القومية التركمانية.
4 – تتعدد الثقافات داخل المجتمع الإيراني (نسبة 25 في المائة من المجتمع الإيراني تتشكل من المجاميع غير الفارسية).
5 – زيادة تأثير القوميات المجاورة على القوميات المتعددة داخل إيران بعد الإطاحة بحكم حركة طالبان في أفغانستان ونظام صدام حسين في العراق.
6 – وجود حدود مشتركة بمسافة 8000 كم مع دول الجوار مع وجود أضعف وأفقر طبقات المجتمع في المحافظة الحدودية.
تهديد القوميات على الأمن القومي
1 – الموقع الجغرافي للأقوام الإيرانية: أغلبية الأقوام المختلفة والأقليات الدينية في إيران يسكنون على المناطق الحدودية لإيران يقابلها قوميات مشابهة على الجهة المقابلة في الدول المجاورة لإيران مما يسهل عملية التأثير عليها من خارج الحدود في حال وجود أزمات خارجية.
2 – وجود تمدد قومي لأقوام إيران في دول جوار إيران على الرغم من تهيئة أرضية للنفوذ داخل هذه الدول إلا أنه يعتبر أيضًا مصدر تهديد للأمن القومي الإيراني نظرًا لكونه يعطي ذريعة للتدخل.
3 – تدخل الدول الأجنبية: مسألة التنوع القومي والعرقي والمذهبي في إيران تهيئ أرضية لتدخل الدول الأجنبية وبالنتيجة يهدد الأمن القومي الإيراني.
4 – تعارض الأقوام والأديان واللغات: وجود تعارض الأديان والقوميات واللغات المختلفة في إيران يؤدي بالنتيجة إلى بروز اختلافات وإيجاد حالة من عدم الاستقرار نتيجة تعارض مصالحهم.
5 – القوميات غير المتجانسة تؤثر وبشكل رئيسي على السياسة الخارجية ودور إيران كلاعب رئيسي على مستوى المنطقة والعالم نظرًا لوجود أقوام ولغات وثقافات مختلفة في إيران مما يهيئ أرضية مناسبة للتدخل الدول المجاورة.
كيفية تعامل النظام الإيراني مع الأقليات
1 – تم تأسيس نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية على أساس الوحدة القومية والدينية الشيعية باعتبار أن كل الأقوام الموجودة في إيران هم من أصل فارسي واللغات هي لهجات تابعة للغة الفارسية والاعتراف بوجود معتنقي أهل السنة مع فرض حدود للنشاط المذهبي وسعي مستمر لتقليل الفوارق المذهبية في الداخل بهدف ذوبان معتنقي أهل السنة داخل المذهب الشيعي بعكس مساعي إيران في الخارج الرامية إلى تشديد الهوة بين المذهبين الشيعي والسني.
2 – التأكيد على فتح منافذ وأسواق حدودية بهدف انتعاش اقتصاد المناطق الحدودية مع إعطاء صلاحيات إدارية لتلك المناطق حسب فرضية انتعاش المناطق الحدودية من الناحية الاقتصادية يقلل من هروب الأطراف من المركز باتجاه الخارج.
3 – حماية المنتجات الزراعية والصناعية المنتجة في المحافظات الحدودية بهدف تقوية البنية الاقتصادية وإيجاد فرص العمل تنسجم مع الخصوصيات الثقافية والاجتماعية.
4 – تعزيز فكرة القومية الفارسية واللغة والمذهب الإسلامي الواحد عبر وسائل الإعلام.
5 – استناد الدستور الإيراني وبشكل رئيسي على الدين وليس على القومية أو اللغة؛ لأن الحكومة المرتكزة على القومية والعرق واللغة يؤدي بالنتيجة إلى قيام القوميات الأخرى بالمطالبة بحقوقهم القومية.
النتيجة
1 – الأكراد، والبلوش، والتركمان، هم أكثر القوميات التي تسعى إلى الهروب من المركز والاتحاد مع القوميات الموجودة خلف الحدود؛ نظرًا لوجود امتداد جغرافي وقومي في الدول المجاورة لإيران.
2 – الأذريون هم أقل سعيًا للهروب من المركز باتجاه جمهورية أذربيجان نظرًا لوجود نقاط مشتركة قوية وهي:
أ – المذهب الشيعي.
ب – مشاركة الأذريين بشكل فعال في إدارة البلاد.
ج – الاستفادة من الأذريين لكبح جماح الأكراد، والبلوش والتركمان.
3 – في كل مراحل تاريخ الدولة الإيرانية، إذا كانت الدولة المركزية مقتدرة وقوية، قلت مساعي القوميات المختلفة للهروب من المركز، والعكس صحيح.
4 – حل الملف النووي الإيراني وخروج إيران من العزلة السياسية والانتعاش الاقتصادي يؤدي بدوره إلى تقوية مساعي إيران إلى حل القوميات والمذاهب واللغات المختلفة داخل القومية الفارسية الشيعية.
5 – تعتمد إيران على البحث عن حل لمشكلة القومية الكردية (أكبر القوميات المهددة للأمن القومي الإيراني) عن طريق خرق تحالف الأحزاب الكردية خارج الحدود الإيرانية ودعم أحزاب كردية معينة (حزب العمال الكردستاني كمثال) بهدف شق الصف الكردي لإيصال فكرة أن إيران هي الدولة الوحيدة الضامنة لحقوق القومية الكردية والتي تعتبرها إيران أحد المكونات الرئيسية للقومية الفارسية.
القوميات المختلفة في إيران حسب إحصائيات «سيا فاكت بوك»
1 – الفرس: 45.750.000 مليون نسمة.
2 – الأذريون: 12.000.000 مليون نسمة.
3 – الأكراد: 7.500.000 مليون نسمة.
4 – اللر: 4.500.000 مليون نسمة.
5 – البلوش: 1.500.000 مليون نسمة.
6 – العرب: 1.500.000 مليون نسمة.
7 – التركمان: 1.500.000 مليون نسمة.
8 – القوميات الأخرى: 1.000.000 مليون نسمة.
صحيفة الشرق الأوسط