دراسة| تنافس المرجعيات: أبعاد الصراع بين “داعش” و”طالبان” فى أفغانستان
شهدت الساحة الأفغانية أخيرا حالة من الصراع بين كل من حركة “طالبان”، صاحبة النفوذ التقليدي فى أفغانستان، والتي حكمت البلاد لمدة ست سنوات إلى أن أسقطت بيد قوات التحالف عام 2001، وبين تنظيم “الدولة الإسلامية” الذي أخذ يتمدد في مناطق نفوذ “طالبان”، مما أدى إلى وقوع اشتباكات مسلحة بين الطرفين فى عدد من هذه المناطق.
ولم يبقَ الأمر في دائرة المواجهات المسلّحة بين “طالبان” و”داعش”، بل تعداه إلى ممارسة أنواع من العنف ضد بعضهما بعضا، مثل الإعدامات الميدانية، وحرق المنازل، وهو ما يثير بعض التساؤلات حول مدى تمدد “داعش” فى أفغانستان، وأسباب الصراع مع “طالبان”، والتداعيات المحتملة لهذا الصراع.
أولاً:- ملامح التمدد “الداعشى” فى افغانستان:
بدأ تنظيم “الدولة الإسلامية” فى الظهور بصورة علنية فى أفغانستان مع بداية عام 2015،، بعد مبايعة عدد من القيادات المنشقة عن حركة “طالبان” للتنظيم، وزعيمه أبى بكر البغدادي، وعلى رأسهم الملا عبد الرءوف، ثم سرعان ما بدأ التنظيم يجتذب العديد من المقاتلين من داخل “الحركة” وخارجها، ويفرض وجوده على مناطق مختلفة من البلاد.
وبعد مقتل الملا عبدالرءوف في غارة جوية بطائرة من دون طيار، لم يتوقف تنظيم “داعش” عن التمدد في أفغانستان، حيث لم يكتف بالتوسع فى المناطق التى تسيطر عليها الحكومة الأفغانية، بل أخذ يتمدد فى المناطق التى يسيطر عليها مسلحو “طالبان”، وتمكن من السيطرة على عدد من معاقل الحركة في “هلمند”، وبعض المناطق من إقليم زابل المجاور لـ “قندهار”، معقل “طالبان”.
ولم يقتصر نشاط “التنظيم” على الأقاليم الجنوبية البعيدة عن العاصمة “كابل”، بل شهدت الأقاليم المجاورة لها تحركات للمقاتلين المنتسبين إلى التنظيم. ففي إقليم “لوجر”، كشف مسئولون محليون عن نشاط لـ”داعش” في بعض المناطق الاستراتيجية المهمة. ولم يكتف “التنظيم” بالتمدد والنفوذ فى تلك المناطق، بل بدأ مسلّحوه بتأسيس وإنشاء معسكرات في المناطق الجبلية النائية، من أجل توفير التدريب، والمأوى، والملاذ الآمن.
ثانياً- أسباب الصدام بين “داعش” و”طالبان”:
كشف إعلان الملا منصور، القيادى فى حركة طالبان، والذي كان وزيرًا أثناء حكم طالبان في كابل (1996-2001)، بأن طالبان لن تسمح لتنظيم “داعش” بالتمدد على الأراضي الأفغانية، عن مدى عمق الخلافات بين الطرفين، ومدى تخوف الحركة من التمدد المستمر لـ “داعش”. ويمكن تحديد أبرز الأسباب التي أدت إلى الصدام بين الطرفين في الآتي:
الخلافات الأيديولوجية، فالتنظيمان بينهما خلافات عقائدية وفكرية عميقة، حيث إن حركة طالبان تعتنق “المذهب الأشعرى”، بينما تعتنق “داعش” ما يعرف بالمذهب الوهابى، وهناك تباعد كبير بين المذهبين، وهو ما يعرف في أدبيات التيارات الجهادية باسم “اختلاف التضاد”، وهو يمنع الالتقاء أو التعاون. ومن الناحية الفكرية، هناك تباعد كبير في الرؤى بين الطرفين حول مفهوم “الشريعة”، و “البيعة”، والتعامل مع الشيعة ..إلخ، لدرجة أن مجلة “دابق” الإلكترونية التابعة لداعش نشرت، فى ديسمبر 2014، أن طالبان تقوم بإعلاء الأعراف القبلية على الشريعة الإسلامية، وتتجاهل استهداف السكان الشيعة، كما اتهمت الملا محمد عمر، زعيم الحركة، بأنه يتبنى مفاهيم “مشوهة” عن الإسلام.
الصراع على النفوذ فى أفعانستان، فحركة “طالبان” ترى أنها صاحبة النفوذ التقليدى فى البلاد، وأنها حاملة لواء الجهاد والشريعة فى البلاد، لذا ترفض بشدة أن ينافسها تنظيم “داعش” هذا النفوذ، فى الوقت الذى يتمدد فيه تنظيم “الدولة الإسلامية” على حسابها، ويستقطب العديد من رجالها، إما بسبب جاذبية الفكر “الداعشى”، أو بسب الإغراء بالمال، وتولية المناصب، من خلال استغلال حالة السخط الموجود بين أبناء “الحركة” تجاه قيادتها، بسب كثرة الخلافات والانشقاقات بين قادتها. لذلك، أصبحت المعركة بين الطرفين أشبه بمعركة من أجل البقاء، خاصة أن وجود “داعش” أصبح يمثل خطرا حقيقياً على مستقبل “طالبان”.
ثالثاً:- تداعيات الصراع بين الطرفين:
الصراع بين تنظيم “الدولة الإسلامية” وحركة “طالبان”، والذى سرعان ما تحول الى صدام مسلح، أدى الى سقوط العشرات من القتلى من الطرفين، وسوف يكون له عدد من التداعيات، من أهمها:
– التغير فى أولوية القتال: فالصراع بين “التنظيمين” سيؤدى إلى التغير فى التوجهات القتالية لكل من الطرفين. فبدلاً من توجه العمليات العسكرية بشكل أساسى تجاه العدو التقليدي للطرفين (القوات الأمريكية وقوات الحكومة الأفغانية)، فإن جزءا كبيرا من المجهود العسكري من كل طرف سيتم توجيهه ضد الطرف الآخر، خاصة بعد أن أعلن كل من التنظيمين الجهاد ضدّ بعضهما بعضا في إقليم هلمند. وهذا الصراع غالبا سيصب فى مصلحة القوات الأمريكية والأفغانية، لأنه سيؤدى إلى تخفيف حدة العمليات ضدهما خلال الفترة القادمة.
أما في حالة تمدد “داعش” بشكل كبير في أفغانستان، وتمكنها من السيطرة على مناطق واسعة من البلاد، فإن ذلك يعنى أنها ستمثل خطرا وتهديدا واضح للقوات الأمريكية والأفغانية، لأن التنظيم سيوجه معظم قوته القتالية والعسكرية تجاههما، لأن هذه القوات تمثل الهدف المفضل بالنسبة له، خاصة أن هذا الاستهداف سيمكنه من جذب العديد من المقاتلين المحليين والأجانب إلى صفوفها، على أساس أنه “قتال لا شبهة فيه” لأنه ضد الكفار المرتدين، وسيظل تهديد “داعش” لهذه القوات متصاعدا، ما استمر “التنظيم” فى التمدد والانتشار.
– إضعاف موقف “طالبان” التفاوضي مع “الحكومة الأفغانية”: فصراع تنظيم “الدولة الإسلامية” ضد “طالبان” سيؤدى إلى إضعاف قدرة الحركة على المناورة والتفاوض مع حكومة كابول، خاصة أن “داعش” أصبحت تهدد الحركة من الداخل عبر انضمام عدد من قياداتها وأعضائها إلى “التنظيم”. كما أن هذا الصراع يشتت “طالبان”، ويجعلها تحارب على أكثر من جبهة، سواء جبهة الحكومة الأفغانية والقوات الأجنبية، أو جبهة “داعش”، وهو ما يزيد من الضغوط المالية والبشرية على التنظيم، والذي يحاول الصمود والاستمرار في أفغانستان للعودة إلى الحكم مرة أخرى، عقب سقوطه علي يد الولايات المتحدة الأمريكية في 2001.
– التوسع فى حملات التجنيد: فالصراع الحالي بين الطرفين سيجعل كلا منهما يحاول استقطاب أكبر قدر ممكن من الشباب إلى صفوفه، من أجل توفير موارد بشرية يمكن الاعتماد عليها فى المستقبل، خاصة أن “داعش” قام بإطلاق حملة لتجنيد الأفراد في الأراضي التي تسيطر عليها “طالبان”، حتي يستطيع السيطرة على المناطق التى يتمدد فيها، فيما ردت “طالبان” بحملات تجنيد مضادة، من أجل تعويض الأعداد التى خرجت من صفوفها، سواء بالانشقاق، أو بالانضمام إلى “داعش”، حيث صرح الدكتور محمد نعيم، المتحدث باسم مكتب الحركة في العاصمة الدوحة، بأن لجنة “الجذب والجلب”، التي أنشأتها طالبان أخيرا، من أجل التجنيد فى صفوفها، أدت إلى انضمام ما يقرب من 400 إلى 500 من موظفين مدنيين وعسكريين من عموم أبناء الشعب الأفغاني إلى الحركة.
– التقارب بين طالبان وإيران: حيث أدى ضغط التمدد “الداعشى” في مناطق نفوذ “طالبان” إلى خلق نوع من التقارب مع إيران، حيث تشعر كل من طهران وطالبان على حد سواء بالقلق من الانتشار السريع لتنظيم “داعش” في أفغانستان، وهذا “الانتشار” كان على رأس الملفات التي ناقشها وفد الحركة أخيرا برئاسة مدير مكتبها في الدوحة، طيب أغا، أثناء زيارته إلى طهران في مايو الماضي.
وأخيراً، ورغم العقبات التى تواجه تمدد تنظيم “داعش” في أفغانستان، مثل مقتل زعيم التنظيم، الملا عبد الرءوف، ثم مقتل خلفه الحافظ وحيدي، في شهر مارس الماضي، ووجود منافسة من قبل العديد من المجموعات المسلحة الموجودة فى البلاد، فإن التنظيم قادر على مواجهة تلك التحديات، والوجود بقوة على الساحة الأفغانية، بسب قدرة التنظيم على التجنيد، وجذب المقاتلين، إما بسب جاذبية الفكر “الداعشى”، أو بسب توافر الموارد المالية، والدعم المادى والمعنوى الذى يحصل عليه من تنظيم “الدولة الإسلامية” فى العراق وسوريا.
وفى الوقت نفسه، فإن حركة طالبان مصممة على منع “داعش” من التمدد والانتشار، وعدم سحب بساط النفوذ من تحت أقدامها، ووقف نزيف الانشقاقات فى صفوفها، مما يدل على أن الصراع بين الطرفين سوف يتصاعد فى المستقبل، وأن الساحة الأفغانية ستشهد حالة من الاقتتال الشرس بين “داعش” و “طالبان”، خاصة أنه لا يبدو فى الأفق أن هناك أى فرصة للتقارب بين الطرفين.
مجلة السياسة الدولية (تصدر عن مؤسسة الأهرام المصرية)