دراسة| موقع اليمن الاستراتيجي يجعله محور صراع
يقع اليمن في جنوب شبه الجزيرة العربية ويحده من الشمال المملكة العربية السعودية ومن الجنوب خليج عدن وبحر العرب ومن الشرق دولة عمان ومن الغرب البحر الأحمر. واليمن بحكم موقعه الجغرافي يطل بصورة مباشرة على مضيق باب المندب الذي يعد من أهم الممرات المائية في العالم، الذي يربط المحيط الهندي والبحر الأبيض المتوسط عبر البحر الأحمر وقناة السويس، ومما يضاعف من أهمية موقع اليمن انتشار جزرها البحرية في مياهها الإقليمية على امتداد بحر العرب وخليج عدن والبحر الأحمر. وهذه الجزر لها تضاريسها ومناخها وبيئتها الخاصة وأكثر هذه الجزر تقع في البحر الأحمر من أهمها: جزيرة كمران وهي أكبر جزيرة مأهولة في البحر الأحمر، وجزر أرخبيل حنيش وجزيرة ميون وهي ذات موقع استراتيجي في مضيق باب المندب البوابة الجنوبية للبحر الأحمر ومن أهم الجزر في البحر العربي أرخبيل سقطرى وتعتبر جزيرة سقطرى أكبر جزر هذا الأرخبيل والذي يشمل إضافة إلى جزيرة سقطرى جزر سمحة ودرسة وعبد الكوري..إذاً موقع اليمن الجغرافي المهم والاستراتيجي يجعل منه ساحة صراع محلي وإقليمي ودولي، وتجعل من الجهة المسيطرة لاعباً أساسياً في المنطقة وتعطيها القدرة على التحكم بمدخل أحد أهم المعابر المائية في العالم والذي يمر عبره جزء أساسي من صادرات وواردات العالم النفطية والتجارية..وقد عانت المنطقة مؤخراً ولا زال من اعمال القرصنة التي يقوم بها متمردون صوماليون وقد أقلقت العالم بأسره..
ولا بد من الإشارة أيضاً إلى أن لليمن طبيعة قبلية، إذ أن غالب السكان يعيش في الأرياف وتشكل القبائل قرابة 85% من التعداد الكلي للسكان البالغ 24,771,809 نسمة، بحسب أخر إحصاء تم إجراؤه، وتلعب الإنتماءات القبلية والمناطقية دورا كبيرا في رسم الخارطة السياسية للبلاد، ويقطن اليمن أغلبية سنية شافعية وأقلية زيدية كبيرة وأقليات صغيرة من إسماعيلية ويهود ومسيحيين. واليمن هو البلد الثاني بعد الولايات المتحدة من حيث نسبة إمتلاك للسلاح بين أفراده .. وفي أخر تصريح صدر عن وزارة الداخلية اليمنية حول تهريب السلاح إلى اليمن ورد فيه…أعلنت الداخلية اليمنية عن ضبط شحنة أسلحة صينية وبلجيكية في محافظة الحديدة (غرب اليمن) بعدما ضبطت سابقاً شحنة مسدسات تركية. وافاد بيان للوزارة على موقعها الالكتروني بأن أفراد النقطة الأمنية بمديرية القناوص محافظة الحديدة ضبطوا اليوم 40 قطعة سلاح. وتعتبر هذه شحنة السلاح الثالثة التي يتم ضبطها خلال اقل من 3 شهور، بالاضافة الى باخرة ايرانية محملة بالاسلحة تم ايقافها بالقرب من ميناء ميدي على ساحل البحر الاحمر في 28 ديسمبر/كانون الأول الماضي. وتنتشر في اليمن تجارة السلاح ويقوم التجار عادة بإغراق الأسواق المحلية بها وتهريبها إلى دول الجوار. وكانت السلطات اليمنية قد اعلنت في وقت سابق عن قائمة سوداء بتجار السلاح، ضمت زعماء قبليين وقادة عسكريين واعضاء برلمان بالاضافة الى محافظ محافظة صعدة الحالي.
منذ قيام ثورة 26 أيلول/ سبتمبر 1962 في شمال اليمن ضد حكم الأئمة، وقيام ثورة 14 تشرين الاول/ اكتوبر عام 1963 في جنوب اليمن ضد الاستعمار البريطاني، واليمنيون يخوضون حوارات وصراعات متتالية تنتهي غالبا بحروب تسيطر بها القوى التقليدية على مقاليد السلطة وتستأثر بالثروة لتهيئ بذلك لثورة أخرى. ولعل الحوار بين شركاء الحكم بعد ثلاث سنوات من تحقيق الوحدة اليمنية المعلنة عام 1990، هو الأكثر حضورا ومرارة في ذاكرة اليمنيين. فبعد التوقيع على وثيقة تصالحية هي «وثيقة العهد والاتفاق» في العاصمة الأردنية عمان، من قبل مختلف القوى السياسية والاجتماعية، وأبرزها شريكي تحقيق الوحدة، الحزب الاشتراكي اليمني الذي كان حاكما لجنوب اليمن والمؤتمر الشعبي العام الذي كان حاكما للشمال… أطاح بعدها علي عبد الله صالح وحلفاؤه الوثيقة بحرب قادوها عام 1994 ضد الجنوب وضد الشريك في تحقيق الوحدة. ومثلت تلك الحرب التي تم شنها لتثبيت وحدة الجنوب والشمال بداية لتعميم نظام الجمهورية العربية اليمنية.. على سائر اليمن.. ومنذ عام 1994 شكلت قضية الجنوب المشكلة الأساس للسلطة الحاكمة في صنعاء وجعلت من الساحة اليمنية مساحة مفتوحة للتدخل استناداً إلى نتائج ما جرى خلال حرب الوحدة تلك. وقد ظل الجنوب الغني بموارده الاقتصادية، قضية مزمنة في اليمن، وحسب المراقبين، فإن أوان الحل قد أصبح ضرورياً وملحاً لحماية اليمن واستقراره بعد إقصاء علي عبدالله صالح نتيجةً للثورة الشعبية وبناءً على نقاط المبادرة الخليجية. ولا بد من الإشاره إلى انه ورغم قلة عدد السكان في الجنوب مقارنة بالشمال، إلا أن الموارد الاقتصادية المتمثلة في احتياطي النفط والغاز موجود معظمها في الجنوب، كما أن مساحة الجنوب تكاد تقارب ضعف مساحة الشمال. وفوق ذلك فإن هناك مخاوف لدى الولايات المتحدة والغرب، كما هي لدى دول المنطقة من أن يتحول اليمن إلى مأوى لتنظيم القاعدة وأعمال العنف في حال تم المساس بوحدة البلاد، في ظل قوة وحجم تنظيم القاعدة في جنوب البلاد.
القوى السياسية التي تثير القلق في اليمن:
– قوى الحراك الجنوبي
الحراك الجنوبي هو حركة احتجاجية سلمية، ظهرت في بداية الأمر في صورة مطالب حقوقية عام 2007، ثم ظهر مصطلح الحراك الجنوبي للمرة الأولى، حينما نظمت جمعيات المتقاعدين العسكريين الجنوبيين مظاهرات بذكرى انتصار معسكر صالح في 7 يوليو/تموز، من العام نفسه، وطالب المتظاهرون بالعودة لوظائفهم التي تم طردهم منها. وينقسم الحراك الجنوبي إلى فصائل متعددة، قدرها بعض الباحثين بنحو 18 فصيلا، تختلف وتتفق في كثير من أهدافها، وأساليبها، لكن يمكن تقسيم الحراك وفقا لأهدافه الرئيسة، إلى ثلاثة اتجاهات، الأول يطالب بفك الارتباط وانفصال الجنوب عن الشمال، وإعادة دولته التي كانت تعرف بجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، ويمثله المجلس الأعلى للحراك السلمي لتحرير الجنوب الذي يقوده القيادي البارز حسن باعوم، في الداخل ويحسب على علي سالم البيض، والاتجاه الثاني يطالب بدولة فيديرالية، ويمثله التكتل الوطني الجنوبي الديمقراطي، ويطالب بدولة فيديرالية في إطار الوحدة مع الشمال، ثم بعد ذلك تقرير المصير واستقلال الجنوب، ويقوده في الداخل محمد علي أحمد الذي عاد قبل شهور إلى عدن، ليتزعم التكتل الحراكي في الداخل، ويحسب هذا التكتل على الرئيس اليمني الجنوبي السابق علي ناصر محمد وحيدر أبو بكر العطاس رئيس وزراء دولة الوحدة، والاتجاه الثالث يطالب بحل القضية الجنوبية في إطار الوحدة اليمنية، وإصلاح قضايا الأراضي، ورد المظالم، والإقصاء التعسفي، ويمثل هذا الاتجاه الأحزاب السياسية، وقيادات جنوبية قبلية.
وقد استغلت قوى الحراك الجنوبي ثورة الربيع العربي في اليمن، وعملت على إقامة ساحة اعتصام لأنصارها في ساحة الشهداء بمدينة المنصورة بعدن، رغم أن الحراك سبق الحركة الاحتجاجية الشعبية التي أطاحت بالرئيس علي عبد الله صالح، بنحو ثلاث سنوات، وقد ساهمت الثورة الشعبية في مختلف المحافظات اليمنية، في تغير مواقف بعض قادة الحراك، الذين اعتبروا الثورة الشعبية طريقا لتحقيق مطالبهم، لتظهر الانقسامات بين مختلف التيارات الجنوبية. ومع انشغال اليمن وحكومته بالمرحلة الانتقالية بعد الإطاحة بصالح، وصعود الرئيس هادي للحكم، كانت هناك دول إقليمية تستغل الفوضى وعدم الاستقرار في البلاد لتجنيد ودعم عدد من فصائل الحراك الجنوبي، وقد أكد ذلك بشكل صريح الرئيس هادي في زيارته للولايات المتحدة مؤخرا، حيث اتهم صراحة جمهورية إيران الإسلامية بتقديم «الدعم القوي للحراك المسلح»، وقال هادي في محاضرة ألقاها في مركز وودرو ويلسون الدولي للباحثين، إنها تقدم «الدعم السياسي العسكري والسياسي والإعلامي والمالي لقوى الحراك المسلح، في جنوب اليمن». وتابع: «إن ذلك يهدف إلى إيجاد حالة من الفوضى والعنف، وفي إحداث انفلات أمني وسياسي في اليمن لكي تستفيد من الأوضاع المضطربة لتمرير أجندتها في المنطقة، وتسعى إلى جعل بلادنا نقطة انطلاق لممارسة دورها الإقليمي واستهداف دول الخليج العربي».
– حركة التمرد الحوثي
ربما يكون تمرد الحوثيين في شمال اليمن أكبر حرب شهدها العالم العربي على مدار عقد من الزمن. لقد أثبت هذا التمرد أنه أكبر مستنزف للموارد المادية والبشرية اليمنية، كما أنه الشغل الشاغل لحكومة صنعاء على مدى السنوات الخمس الماضية. ونظراً للعديد من الأزمات المالية والسياسية وأزمات الموارد التي تعاني منها الدولة، بحيث لا يمكن أن تتحمّل اليمن هذا الصراع. ومن المفارقات، يبدو أيضاً أن التمرد كما يبدو هو واحد من أكبر التحديات الأمنية القابلة للحل في اليمن.
بدأت الحرب بين الحكومة الفيديرالية وعشائر الحوثيين في يونيو/حزيران 2004، وكانت تتميز بالقتال المستمر بدرجات كثافة متفاوتة تخللتها عدة اتفاقات لوقف إطلاق النار ومحاولات للتوسط بين الأطراف (حيث تحصي الحكومة اليمنية ست مراحل من القتال النشط). وفي لب هذا الصراع نجد أنه نزاعاً على السلطة بين الأطراف الفيديرالية والأطراف المحلية. وتشكل محافظة صعدة في شمال غرب اليمن بالقرب من الحدود السعودية بؤرة هذا التمرد. وقد انتشرت المناوشات إلى صنعاء بل وحتى إلى المملكة العربية السعودية التي تم جرها عسكرياً إلى القتال في بعض الأحيان. ويقال بأن الصراع قد أسفر عن إصابة ما بين 20,000 و 30,000 شخص، من بينهم مقاتلون وغير مقاتلين. وكثيراً ما يكون من الصعب التمييز بين هاتين الفئتين لأن كلاً من الحوثيين والميليشيات القبلية التي تساندها الحكومة يقاتلان من داخل مناطق السكان المدنيين. وتتأرجح تقديرات عدد الأشخاص المشردين داخلياً في حدود الـ 150,000 شخص وأكثر من 3.000 آخرين يقال أنهم تحت الاحتجاز الحكومي في شمال البلاد. ويشير تبنّي الحكومة لاتفاق وقف إطلاق النار في فبراير/شباط 2010 إلى أن سياسة الأرض المحروقة التي كانت تطبقها صنعاء في المرحلة السادسة من الحرب لم تكن ناجحة. ومن جانبهم، سعى الحوثيون إلى تجنب حرب على جبهتين تشمل المملكة العربية السعودية، التي بدأ جيشها يواجههم بصورة مباشرة قبل الهدنة. فقد تم تأكيد قيام الضربات الجوية السعودية ضد الأهداف الحوثية. وقد أتى اتفاق وقف إطلاق النار أيضاً في الوقت الذي كانت فيه التهديدات التي شكلها تنظيم «القاعدة في شبه الجزيرة العربية» وتلك التي أتت من الانفصاليين الجنوبيين آخذة في التصاعد، بحيث فاقت قدرات قوات الأمن الحكومية.
لقد كانت هناك عدة بنود ضمن الشروط إلى تم ذكرها لوقف إطلاق النار، مثل إزالة حواجز الطرق والألغام الأرضية، وإنهاء التحصينات للمناطق الحوثية، وإعادة الأسلحة والبضائع المدنية السعودية التي تم الاستيلاء عليها، وإطلاق سراح المعتقلين العسكريين والمدنيين السعوديين واليمنيين، وإنهاء الأعمال العدائية في الأراضي السعودية. ومع ذلك، يصعب قياس هذه الشروط بموضوعية بل وربما سيثبت أن من الصعب تنفيذها، في ضوء وجهات نظر سكان شمال البلاد حول المنطقة. ومن المرجح أيضاً أن تؤدي المعايير الثقافية، وخاصة العرف القائم منذ فترة طويلة والمتمثل بامتلاك الذكور للأسلحة إلى استباق أية محاولة لنزع السلاح. وبالمثل، فإن الحاجة الثقافية لكلا الطرفين بأن يُنظر إليهما كمتكافئين في المفاوضات، تميل إلى التناقض مع المفاهيم الحديثة لسيادة الدولة. ونتيجة لذلك، من المرجح أن ينهار اتفاق وقف إطلاق النار مثل حالات أخرى قبله: ويمكن للمرء أن يجد بالفعل دلائل على أن المرحلة السابعة من الصراع آخذة في الاقتراب بصورة أكثر.
وتتهم الحكومة اليمنية دولة إيران بدعم الحوثيين، حيث كشفت مصادر سياسية ودبلوماسية يمنية في تصريحات متطابقة أن إيران تدرب أعدادا كبيرة من الحوثيين في دولة إريتريا المجاورة لليمن على الساحل الأفريقي للبحر الأحمر، وأكدت المصادر أن لدى اليمن ما يثبت تهريب إيران لأسلحة عبر سفن مهربة إلى جزر تتبع إريتريا، ثم يتم نقل هذه الأسلحة عبر شحنات صغيرة إلى الحوثيين في محافظة صعدة التي يسيطرون عليها شمال البلاد. وأكدت المصادر السياسية والدبلوماسية اليمنية، التي فضلت عدم ذكر أسمائها، في اتصالات هاتفية مع «الشرق الأوسط» في لندن، أن «إيران تدرب المقاتلين الحوثيين في إحدى الجزر الإريترية الواقعة بالقرب من سواحل البحر الأحمر اليمنية، بعد أن صعبت عمليات نقل هؤلاء المقاتلين من اليمن إلى إيران أو لبنان حيث حزب الله بعد تدهور الأوضاع الأمنية في سوريا وأشارت مطالبةً إيران وإريتريا بالكف عن هذا العمل الذي لا يخدم العلاقات الطبيعية بين اليمن وهذين البلدين… لذا من المرجح أن يستمر القتال حتى تقوم الحكومة اليمنية بالاستثمار في إعادة الإعمار وإضفاء الشرعية على المنتمين للحوثيين كممثلين سياسيين في عملية المصالحة. وسوف تستمر التوترات أيضاً ما لم تقم صنعاء بإضفاء الشرعية على نقاط مثل الزيدية والهوية القبلية الشمالية كأجزاء متممة ومميزة من الهوية اليمنية. وتعتبر حرب الدعايات التي تشوه صورة كل طرف، وكذلك الوجود المستمر للقوات العسكرية من كلا الطرفين في المناطق المتنازع عليها بمثابة عقبة في طريق السلام. وربما يكون الوجود الدولي ضرورياً لمراقبة وقف إطلاق النار، وفرض شروط عادلة، وتسهيل محادثات الوساطة، والمساعدة على تمويل إعادة الإعمار. وبما أن الصراع مع الحوثيين قد أصبح غير مُحتمل بشكل متزايد، يبدو أنه يدفع صنعاء باتجاه التسوية مع المقاتلين المحليين من العرب السنة.
– تنظيم «القاعدة في شبه الجزيرة العربية»
تعلُّم تنظيم «القاعدة في شبه الجزيرة العربية» من أخطاء الجهاديين في العراق وأفغانستان وأصبح أكثر حنكة وخبرة في عقد مواءمات مع الحركات السياسية المحلية، وبناء دعم شعبي في اليمن. وبقيامه بذلك، تحول إلى حركة تمرد في حين احتفظ بجذوره كجماعة ارهابية. ومن أجل مواجهة الجهود السياسية والقانونية والرعاية الاجتماعية التي توفرها الجماعة في مناطق خارج العاصمة، كان يجب على الحكومة اليمنية تدعيم حملتها لمكافحة الإرهاب من خلال توسيع الخدمات المقدمة إلى المحافظات بطريقة غير مركزية.
منذ تأسيسه في كانون الثاني/يناير 2009، دأب تنظيم «القاعدة في شبه الجزيرة العربية» على مهاجمة الولايات المتحدة ومصالحها. وقد ردت واشنطن بتوسيعها بشكل كبير هجمات الطائرات بدون طيار في اليمن وتدعيم قدرة الحكومة على محاربة هذا «التنظيم» بنفسها من خلال توفيرالتدريب وتقديم المساعدات العسكرية الإضافية. … وتأكيداً لهذا فقد ورد في أحد التقارير اليمنية مؤخراً أنه قد لقي قرابة 17 عنصرا من عناصر تنظيم القاعدة، مصرعهم في حادثين منفصلين بالتزامن مع تكثف الطيران الأميركي من دون طيار من غاراته الجوية، على مناطق في محافظة مأرب بشرق اليمن لاستهداف عناصر «القاعدة» والتي أسفرت عن سقوط قتلى وجرحى…
ومع بدء رياح "الربيع العربي" في اجتياح المنطقة في عام 2011، ظهرت أزمة سياسية في اليمن بين الرئيس آنذاك علي عبد الله صالح الذي حكم أكثر من ثلاثين عاماً، والمعارضين الذين انتقدوا فساد النظام وانعدام الخدمات. ومع انكشاف الأزمة أصبحت قوات الأمن اليمنية متورطة في صراعات سياسية في صنعاء، حيث انتقلت وحدات عديدة من الجنوب إلى العاصمة. وباستشعار تنظيم «القاعدة في شبه الجزيرة العربية» بوجود فراغ أمني، قام بشن سلسلة من الغارات في جميع أنحاء الجنوب في ذلك العام، مستخدماً الأساليب التقليدية لاجتياح مساحات شاسعة من الأراضي، شملت العديد من المناطق فضلاً عن عاصمة إحدى المقاطعات. ورغم أن تنظيم «القاعدة في شبه الجزيرة العربية» ليس هو المشكلة الأكبر ولا حتى أكبر تحد أمني التي تواجه الحكومة اليمنية، إلا أن الولايات المتحدة وجزءاً كبيراً من المجتمع الدولي ما يزالون يعطونها الأولوية في اهتماماتهم على قضايا أخرى. وترتبط عملية مكافحة إرهاب ناجحة بصورة مباشرة مع استقرار الدولة. وإذا أصبحت اليمن دولة فاشلة خلال العقود القليلة القادمة، ستتقوض أهداف مكافحة الإرهاب الأمريكية بشكل حاسم. ويتمثل التحدي للسياسة الأمريكية في إيجاد طريقة لتعزيز النضال ضد تنظيم «القاعدة في شبه الجزيرة العربية» بدون مفاقمة جوانب أخرى من أزمات اليمن الأمنية والاقتصادية والسياسية المتداخلة.
"نقاط القوة لدى تنظيم «القاعدة» ونقاط الضعف لدى اليمن"
لتنظيم «القاعدة» تاريخ طويل من العنف والإرهاب في اليمن، بما في ذلك القيام بهجمات]ضد المصالح الأمريكية. ففي التسعينات من القرن الماضي، ارتكب مقاتلون إسلاميون متشددون عمليات خطف وتفجيرات في جميع أنحاء البلاد. وفي الأعوام 2000 و 2002، هاجمت خلايا تنظيم «القاعدة» المدمرة الأمريكية "كول" في عدن وناقلة النفط الفرنسية "ليمبورغ" على التوالي. كما أدت عملية هروب من السجن عام 2003 إلى تحرير خمسة عشر عضواً من أعضاء تنظيم «القاعدة»، كان يشتبه بأن أحد عشر منهم ضالعين في تفجير المدمرة "كول". وقد هرب ثلاث وعشرون آخرون من أعضاء «التنظيم» من سجن في صنعاء عام 2006، مما أشار إلى عودة تنظيم «القاعدة» في اليمن إلى الظهور من جديد. ومنذ ذلك الحين، قامت المجوعة بسلسلة من الهجمات ضد أهداف غربية وحكومية يمنية. إلا أن طاقة نمو تنظيم «القاعدة في شبه الجزيرة العربية» في اليمن هائلة، حيث تتفاخر المنطقة الجنوبية من البلاد بمخزون ضخم من الشباب الذين لديهم مظالم، ويرغبون في القتال، ويؤمنون بأن من المباح لهم شن الجهاد المسلح داخل اليمن.
ومع ذلك، فإن تنظيم «القاعدة في شبه الجزيرة العربية» هو أكثر من مجرد منظمة تدور في فلك تنظيم «القاعدة»، وقد أظهر طموحات أكبر من مجرد القيام بأعمال عسكرية متشددة داخل اليمن. وفي كانون الثاني/يناير 2009، نشر المقاتلون اليمنيون المتشددون مقطع فيديو يظهر اندماج تنظيم «القاعدة» في السعودية وتنظيم «القاعدة» في اليمن. وتهدد الجماعة الجديدة وهي تنظيم «القاعدة في شبه الجزيرة العربية» بجلب العنف المتجدد للجار الشمالي لليمن. وفي أبريل/نيسان 2009، كشفت السعودية شبكات من المتسللين على الحدود اليمنية وبحوزتها مواد متفجرة أساسية تكفي لما يقرب من ثلاثين سترة ناسفة. وفي آب/أغسطس 2009، فجر انتحاري يمني نفسه بالقرب من رئيس مكافحة الإرهاب الأمير السعودي محمد بن نايف. وقد أعلن تنظيم «القاعدة في شبه الجزيرة العربية» مسؤوليته عن الهجوم الفاشل وهدد باستهداف الطائرات في المرحلة القادمة. وخارج المنطقة، قام الإرهابي النيجيري عمر فاروق عبد المطلب الذي دربه تنظيم «القاعدة في شبه الجزيرة العربية»، بمحاولة ضرب الولايات المتحدة مباشرة في ديسمبر/كانون أول 2009، وكاد يشعل متفجرات على طائرة ركاب قبل هبوطها في مدينة ديترويت. ومنذ ذلك الهجوم، أصدر تنظيم «القاعدة في شبه الجزيرة العربية» صحيفة جديدة باللغة الإنجليزية اسمها "إنسپاير" (إلهام)، بهدف تجنيد متطوعين ناطقين بالإنجليزية. ومؤخراً في أبريل/نيسان 2010، هاجمت الجماعة سيارة السفير البريطاني ومكتب الأمن اليمني في عدن. وفي ضوء هذه الأنشطة، يشكل تنظيم «القاعدة في شبه الجزيرة العربية» تهديداً ليس في اليمن ودول المنطقة فحسب، بل أيضاً للمصالح الغربية والأميركية أيضاً.
دعم مكافحة الإرهاب
ليس من السهل تحديد حلول لمشكلة تنظيم «القاعدة في شبه الجزيرة العربية». فاليمن لا تستطيع أن تكرر الاستراتيجية السعودية الناجحة بشكل كامل لأنها تفتقد حكومة مركزية قوية، وسيطرة على المؤسسة الدينية، بالإضافة إلى موارد عسكرية ومالية كبيرة. وعلاوة على ذلك، إن جهود مكافحة الإرهاب اليمنية مهددة بخطر تحول البلاد إلى دولة فاشلة. وسيوفر مثل هذا الانهيار ملاذاً آمناً جديداً لإرهابيين في موقع خطير على وجه الخصوص، وهي الطرق الواسعة الرئيسية للملاحة البحرية الدولية المتاخمة لـ "شبه الجزيرة العربية" وقرب دول جنوب الصحراء الكبرى. ولا توجد حلول لهذه المشكلة على المدى القصير؛ لذا فإن قيام استراتيجية بعيدة المدى تهدف إلى تحقيق استقرار الدولة اليمنية هي فقط ستمنع تنظيم «القاعدة» والحركات التي تسير في فلكه من السعي إلى جعلها ملاذاً آمنا لهم.
عناوين التسوية السياسية المطلوبة في اليمن
المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، وهي ما يعرف بمبادرة التسوية السياسية، وحدها تعتبر خارطة طريق مدعومة بقرارات أممية تشرف الأمم المتحدة على تنفيذها، وقد تضمنت تدابير عديدة لإنقاذ اليمن من الانزلاق في حرب أهلية، ولمعالجة الأزمة وتحقيق مطالب الثورة الشعبية. وابرز ما في تلك التسوية انعقاد مؤتمر حوار وطني تشارك فيه كل الفعاليات السياسية والاجتماعية لمناقشة أبرز القضايا المستفحلة وتحديد معالجات لها تمهيدا لتنفيذها بإرادة جماعية للعبور بالبلد إلى المستقبل.
تمثِّل «القضية الجنوبية»، وهي قضية جنوب اليمن أهم قضايا مؤتمر الحوار الوطني، إلى جانب قضية صعدة (المحافظة التي يسيطر عليها جماعة الحوثي). وتلك هي جوهر المهمات التي يتعين على مؤتمر الحوار الوطني مناقشتها ووضع حلول لها، ضمن تحديد شكل نظام الدولة، وصياغة دستور جديد، وتحديد النظام الانتخابي المناسب، وتحقيق المصالحة الوطنية، والعدالة الانتقالية الضامنة لعدم حدوث انتهاكات لحقوق الإنسان والقانون الإنساني في المستقبل. ويمثل كل ذلك خطوات تمهد لإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية بعد الفترة الانتقالية التي تنتهي في شباط/ فبراير 2014 بحسب «مبادرة التسوية السياسية».
ويجب أن ينخرط اليمن أيضاً في عملية إصلاح عسكري تهدف إلى توحيد قيادة جيشه الذي يعاني من الانقسام وانهيار المعنويات، وإلى بناء قوة أكثر حرفيّة تستطيع المساعدة في تحقيق الاستقرار في البلاد. وتحاول حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي التي تشكلت منذ تسعة أشهر فهم تلك الشبكة الواسعة والقوية من القوى التي ظلت ممسكة بزمام الأمور في االبلاد على مدى عقود. حيثتشكِّل هذه الإصلاحات جزءاً لا يتجزأ من المبادرة الخليجية المتمثّلة بحزمة التسوية السياسية المقدَّمة من مجلس التعاون الخليجي والأمم المتحدة والتي رافقت استقالة الرئيس السابق علي عبدالله صالح. وتشمل الحزمة أيضاً تشكيل حكومة توافق وطني انتقالية لمدة سنتين، التي عقدت أول اجتماع وزاري لها في 10 كانون الأول /ديسمبر 2011، وعقد مؤتمر جامع وشامل للحوار الوطني بحلول شباط /فبراير 2014 لتمهيد الطريق أمام إجراء إصلاحات دستورية وإجراء انتخابات جديدة. وسوف تؤثّر نتيجة هذه الإصلاحات بقوة في عملية الانتقال السياسي في البلاد، حيث سيكون نجاحها بمثابة خطوة رئيسة في مسيرة اليمن نحو الانتعاش في أعقاب الربيع العربي. أما فشلها فسيدفع البلاد، التي تعاني بالفعل من التمزّق نتيجة الصراعات العنيفة الكثيرة، نحو الانفجار من الداخل، ما قد يؤدّي إلى عواقب وخيمة على الأمن الإقليمي والدولي. وفي النهاية، سيتوقف الأمر على ما إذا كانت الحكومة المركزية التي تشكَّلت في صنعاء في مرحلة ما بعد علي عبدالله صالح قادرة على قطع الروابط العميقة القائمة بين الجيش والشبكات القبليّة القويّة ودعم اقتصاد الدولة. و يعود السبب في ذلك إلى أن عملية إصلاح الجيش، على النقيض من تصورات وتوقعات القوى الثورية في اليمن، أكثر تعقيداً بكثير من مجرّد التخلّص من بعض الأشخاص على وجه السرعة وإعادة الوحدات المنتشرة حالياً في جميع أنحاء العاصمة اليمنية والمدن الرئيسة إلى ثكناتها. إذ ستكون عملية الإصلاحات العسكرية في اليمن طويلة تسير جنباً إلى جنب مع التقدم في مجال الاقتصاد الوطني والابتعاد عن الاعتماد على الإدارة عبر الصراع، وهي المقاربة التي اعتمدها اليمن خلال العقود الثلاثة الماضية على صعيد سياسة المصالحة و بناء الدولة.
الخاتمة
إن مستقبل اليمن ومصيره في حال تم تجاهله سوف يترك آثاراً سلبية واسعة على دول الجوار تهدد استقرارها وأهمها المملكة العربية السعودية التي تشارك اليمن حدوداً طويلة وتداخل جغرافي وسكاني واسع كما ويعمل عدد كبير جداً من اليمنيين في المملكة العربية السعودية، إلى جانب تهديد الملاحة البحرية الحيوية للإقتصاد العالمي في مضيق باب المندب، بحيث يصبح مدخل البحر الأحمر تحت رحمة دولتين خاضعتين للفوضى والإرهاب وهما اليمن والصومال التي تقع على الطرف الأخر من مدخل باب المندب عند القرن الإفريقي..لذا يجب العمل على استيعاب تداعيات هذ الصراعات الداخلية والعمل على وقف التدخل الدولي والإقليمي في دولة اليمن وإعطاء الشعب اليمني الفرصة لإعادة بناء نظامه السياسي وتطويره والحفاظ على وحدته وسيادته، وعدم انزلاقه إلى حرب اهلية مدمرة بين مكوناته القبلية والسياسية المتناحرة.. واستغلال طاقاته وموارده بشكل صحيح لتنمية اقتصاده ورفع مستوى سكانه الاجتماعي والحد من البطالة المتفشية والهجرة إلى الخارج.