دراما الأجزاء «يعوزها» المنطق
صار مألوفاً أن نشاهد أعمالاً درامية من أجزاء، وهو تقليد تكرّس مع أعمال الراحل أسامة أنور عكاشة، خصوصاً «ليالي الحلمية»، واستقبله المشاهدون باهتمام ومتابعات كثيفة عكست نجاح تلك الأعمال وأهميتها على المستويين الجمالي والفكري. مع ذلك، ثمة سبب آخر ربما هو أكثر أهمية كان وراء نجاح تلك الأعمال. ما أعنيه هنا هو بالتحديد بنية تلك الأعمال والتي قامت على «الرواية التلفزيونية» وليس الحكاية السردية الشائعة في الدراما العربية غالباً.
في الرواية التلفزيونية تمتلك الدراما زمناً عريضاً وطويلاً تتوغل فيه أحداثها في ما يقارب التحقيب بما هو انفتاح على صراعات اجتماعية كبرى ومراحل متعددة تشهد تبدلات في حياة الناس وأشكال عيشهم ما يسمح (بل ويفترض) أن تواكب ذلك كله بوعاء فني لا يسقط في الترهل. ربما لهذا يصح القول إن كثيراً من دراما الأجزاء كان يمكن أن تكون جزءاً واحداً من دون أن تتمدَد وتطول وتحوي إضافات غير ضرورية وغير منطقية، تقوم بنيتها أساساً على حكاية سردية ذات بعد درامي واحد لا يتجاوزه إلا ويسقط في الملل.
ربما لتلك الأسباب نرى شروط دراما الأجزاء دافعاً لتطويرها نحو الأفضل بدءاً من اختيار الموضوع، مروراً بزمنه وشخصياته الرئيسة والثانوية وما يفترضه ذلك من إعلاء لشأن البناء وتركيبية العمل على نحو مختلف يجعل الوصول إلى الأجزاء ضرورة درامية وليست هدفاً إنتاجياً، خصوصاً أن بعضهم يرى في الأجزاء استثماراً سهلاً لموضوع نجح وحقق حضوره عند المشاهدين. هي دراما «تأريخ» من نوع مختلف تزدحم فيها الوقائع على نحو يسمح بنمو علاقات جديدة تحمل مبرر وجودها وحضورها كحاجة منطقية ودرامية في آن.
هنا بالذات تبرز الشخصيات الجديدة باعتبارها حاملاً موضوعياً للجزء الجديد، وهي بهذا المعنى تلتقط خيط الدراما وتمضي به نحو آفاق جديدة. شخصيات جديدة تعني بالطبع ممثلين جدداً يضافون لأولئك الذين بدأ بهم العمل وظلّ بعضهم فيما غاب آخرون في هذه المرحلة أو تلك، وهي ميزة تمنح العمل حيوية نابعة من الاختلاف والتجدد على أن يرافق ذلك الخروج من المكان أو الأمكنة التي شهدت وقائع الجزء الأول: هو مناخ درامي مختلف يمنحه المكان ويحمل، في حال تحقق بفنية عالية، شحنة من الجاذبية والتشويق، خصوصاً أن دراما الأجزاء لا تحتمل في رأينا الإيقاع البليد بما فيه من رتابة وتلكؤ.
هل هذا يعني دراما استثنائية؟
أعتقد أن لا مبرر لامتداد العمل الدرامي على أكثر من جزء إلا حينما تفرض وقائعه ذلك، وهي وقائع لا يجوز أن تكون مختلقة من خارج شروطها المنطقية والفنية التي تجعل أي أحداث جديدة تتواشج مع البدايات في نسيج متكامل.
صحيفة الحياة اللندنية