
إذا نظرت إليها كدراما إنسانية تجد فيها معاني مدهشة. كيف لامرأة أن تتحكم بمجرم سفاح لا يتوقف عن قتل وتشريد وتهجير آلاف من المدنيين الآمنين. وما هي قماشتها حتى تستطيع السيطرة على مثل هذا العنيد المتعصب والإرهابي؟ وكما تعنون الدراما الواقعية فإنها بالفعل “قصة حقيقية”. قصة تحكم سارة بزوجها نتنياهو. نعم سارة تتحكم بهذا الصهيوني المستمر في قتل وتهجير الفلسطينيين المدنيين من أرضهم ووطنهم. هذا السفاح الموغل بوقاحة في ادعاء “تغيير وجه الشرق الأوسط” وهو يقوم بتدمير المنطقة برمتها. هذا المطلوب للجنائية الدولية لقيامه بارتكاب جرائم حرب واقترافه جرائم ضد الإنسانية، هذا المجرم الذي يتبغدد على شعوب المنطقة العربية و يتعنتر على دول الشرق الأوسط، تكسر رأسه امرأة وتخضعه لأوامرها وهو يذعن صاغرا لها. ويستمر بالظهور العام ممسكا يدها بحب، ومرتبطا بها بشدة ليوهم العالم بقصة حب مزعوم بينهما. متوهما وموهما الآخرين بحكاية حب مضللة وكاذبه. حكاية “سارة وبيبي”. يمسك يدها وينظر في عينيها كلما صعد المنصة ليهدد دول المنطقة وليتوعد شعوب شرق المتوسط، أو ليفاخر بجرائمه وإرهابه. هذا المجرم تتحكم به وتحكمه امرأة اسمها سارة. هي قصة تحكم وانتقام من امرأة متسلطة نحو زوج مجرم وسفاح وخائن. كيف يمكن لهذه المرأة ان تتحكم بمثل هذا المجرم العنيد؟؟
في بداية التسعينيات من القرن الماضي حدث طلاق بين نتنياهو وسارة، ويبدو أنها هي من أصرت على الطلاق. فجن جنونه وطاش حجره وفعل كل شيء لاستعادتها. لذلك اعترف علنا وعلى الهواء مباشرة بأنه “خانها”، وأنه نادم على خيانته لها، واعتذر لها علانية. وحسب ما نشرت نيويورك تايمز فإن نتنياهو كتب لها تعهدا بالخضوع لها حتى تقبل بالرجوع إليه. وهذا التعهد – الوثيقة أكده الكاتب الاسرائيلي بن كسبيت في كتابه (سنوات نتانياهو) ، وجاء هذا التعهد في وثيقة من 15 صفحة، تضمن تعهدا بعدم التواصل مع النساء وعدم استعماله لأي بطاقات ائتمانية، وعدم التصرف بأي أموال. حتى الآن كل شيء عادي لانه تعاهد بين زوج خائن وزوجته التي تريد ضمانا لتقبل العودة إليه. لكن ما هوغير عادي والفاقع في دراميته أن هذا التعهد تضمن أيضا أن يخضع نتنياهو لسارة في شؤون الحكم والسياسة. وجاء في الوثيقة التعهد بشكل واضح بند يعطيها الحق في تقرير التعيينات الحكومية. وبالفعل فقد عملت فيما بعد على تقييم العسكريين لاختيار الصالح منهم للمناصب العليا. وتدخلت أكثر من مرة في عرقلة اتفاقات وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى في غزة. حتى أن محتجين قاموا باحتجازها في صالون تجميل لأنها تتدخل وتعرقل هذه الاتفاقات. باختصار هو كتب عليها عقد زواج. وعند عودتها عن الطلاق كتبت عليه عقد إذعان اجتماعي سياسي اقتصادي لتصبح المتحكمة به وبمن يتحكم بهم. بشرفكم لو جاء ذلك في مسلسل وليس في الواقع، هل يصدقه أحد؟ هل يمكن أن نصدق أن مكيوده تتحكم بسفاح يحكم دولة عدوانية شرسة مثل إسرائيل؟؟
سارة امرأة أقل من عادية من ناحية الجمال والانوثة. ورغم ذلك فإن نتنياهو الذي يحسب نفسه “ملك إسرائيل العظمى” واقع تحت سحرها وخاضع لأهوائها، وهي متواضعة التعليم فقد كانت مضيفة تخدم المسافرين في الجو. وفيما بعد درست علم النفس وحاولت الكتابة في الصحافة ولم تفلح. كما أنها على المستوى الحياتي بخيلة وطماعة وفجعانة ، ومعظم قضايا الفساد التي يحاكم نتنياهو فيها هي المتسببة بها كإسرافها على حساب الحكومة في إقامة الولائم. وقيامها بسرقة هدايا. وتيسير قبض الرشاوي. وإنجاز صفقات فاسدة. تصوروا أنها بطمعها وجشعها وفجعنتها أوصلت بيبي إلى المحكمة ولبسته عار جرائم فساد قذرة، ووسخت سجله الصهيوني، ودفعت حتى دولة العدوان والإجرام إسرائيل تضعه في قفص الإتهام لتحاكمه كفاسد وسخ. وبعد كل هذا، أليس غريبا أن يخضع لهذه المرأة المكيودة زعيم يدعي القوة والدهاء والعظمة كنتنياهو. ألم نقول أنها دراما؟!
ما يضيف لهذه الدراما شططا في التخيل أن يكون هناك أي دور لسارة في إقناع ترامب للقيام بتبييض صفحة بيبي عبر طلبه من الرئيس الإسرائيلي بإصدار عفو عنه ومنع محاكمته. ويبدو أن ترامب أقتنع بما قالته سارة في مقابلة مع قناة فوكس الأميركية، حيث ادعت أن زوجها بيبي يتعرض لما يتعرض له ترامب في أميركا. فهو يحارب من قبل الدولة العميقة في إسرائيل كما يحارب ترامب من قبل الدولة العميقة الأميركية. والظاهر أن خبث هذه المرأة قادها لاستخدام الحيلة المحببة لترامب والتي اعتاد استخدامها (الدولة العميقة). ويبدو إضافة خبث سارة الى خبث العلاقة بين ترامب وبيبي في السيطرة على المنطقة أنتج طلب ترامب العفو عن مجرم سفاح كنتنياهو.
الظاهر أن الله يسلط على الظالمين ظالمين أظلم وأخبث منهم، يتحكمون بهم دون أن ينتبهوا أو يدركوا. وأحيانا يكون المتحكم بالظالم ظالم صغير أو ضعيف بنظر الناس، لكنه يقهر ويخضع ويستبد بالظالم الأكبر. وهذا ما حدث ويحدث بين نتنياهو ابن الحاخام وبين زوجته سارة بنت الشاعر. مجرم حرب وسفاح ابادة ومحتل همجي كنتنياهو تتحكم به امرأة مكيوده وحسودة وفجعانة وحاقدة وطماعة كسارة. بيبي وسارة حكاية اجرام وفساد تفضح معنى حقيقة وشخصية نتنياهو دون الانتقاص مما حققه بعدوانه وابادته واجرامه في الشرق الأوسط. حتى السياسة يكمن معناها في سلوك ومسار حياة فاعليها. وهذا ما قرأناه في دراما سارة وبيبي النتنة.
بوابة الشرق الأوسط الجديدة


