دراما لا تقبل التوقعات
«حنكة» الدراما أن تستولي على وعيك وانتباهك فلا تدع لك مجالاً لمراوغتها والانشغال عنها ولو لحظات قليلة. نقول عادة إنها الجاذبية والأدق الوصول مع المشاهد إلى ذروة التلاقي من خلال الامتاع والاقناع في سياق سرد بصري لا يكتفي بالقول بل هو يقول حدثه بدرجة قصوى من الجماليات الفنية فيحقق النجاح.
نتحدث هنا عن الدراما المصرية في سنواتها الأخيرة، وبخاصة تلك الأعمال التي عرضت في موسم رمضان الماضي «أرض – جو»، «كلبش»، «ظل الرئيس» و «الطوفان»، وحققت مشاهدات كبرى بل هي فعلت ذلك حتى في عروضها اللاحقة المعادة. ثمة ما هو مشترك في كل تلك الأعمال (نعني في حكاياتها)، وهي أنها كلها تتمحور حول أحداث واقعية فيها الكثير من القسوة أو بدقة أكثر الوقائع الصادمة والتي على رغم معرفتنا أنها تحدث في الواقع فإن كثراً من المشاهدين يرفضون أن تتناولها الدراما التلفزيونية في عروضها، بل إن أحداث بعض الأعمال واجهت رفضاً شديداً نراه قد بلغ حد المبالغة كما كانت الحال مع مسلسل «الطوفان».
ليست الدراما تسلية وحسب وإن تكن التسلية هدفاً من أهدافها، فنحن في حالتي التأليف والإخراج نتحدث عن «معالجة» فنية لوقائع تحدث في حياتنا وتتشابه معها بدرجات متفاوتة، وهي «معالجة» تنطوي عادة على سحر الفن وجاذبيته، وهنا بالذات يغادر الحدث الواقعي مكانه ليصبح حدثاً فنياً له كيانه الخاص الذي لا يلغي خصوصيته ولا يقلل منها حقيقة أنه جاء أصلاً من الواقع.
وفي الدراما «الكبرى» تصبح الجزئيات والتفاصيل «الصغيرة» هي البطل إذ هي تراكم ذاتها في حراك أقرب الى كرة الثلج أو كرة النار بالأصح، ففي كل دراما ناجحة لا بد من تصاعد حدث قد يراه المشاهد قاسياً أو حتى صادماً، لكنه مع ذلك، وربما بسبب ذلك، هو يصدق الدراما ويذهب معها إلى آخر سردياتها شرط أن تنجح تلك السرديات في العبور أمامه في إهاب فني راق ويمتلك التشويق والجاذبية تدفع من يشاهد الى التأمل والتوقع فأسوأ الأعمال الدرامية هي بالتأكيد تلك التي يعرف المشاهد أنها كتاب مفتوح لا يقبل التوقعات.
صحيفة الحياة اللندنية