شرفات

دعوة إلى مثقف مثقوب الحذاء !

عماد نداف

الأناقة مهمة في حياتنا، وليس شرطاً أن يكون الرجل ثرياُ ليمارس أناقته، يكفي أن تكون ملابسه نظيفة، ومتناسقة الألوان ، وبسيطة، فإذا هو يحدد الشرط الأول من الهدف الذي يسعى إليه.

ارتديت بنطالي الأزرق وقميصي السماوي وربطة عنق زاهية، ففي ملابسي لايوجد سوى لونين الأسود والأزرق، وقمصان مناسبة لهذين اللونين ، وغالبا ما يكون اللون الأبيض بينهما، لكن فكرة الأناقة التي كنت أسعى إليها كانت بحاجة إلى استكمال..

كنت مدعوّا إلى حفل يحمل طابع الثراء والأرستقراطية، لذلك اكتشفت أن حذائي لم يكن يليق بتلك الدعوة، فسارعت إلى تنظيفه وتلميعه لتكتمل الصورة التي رسمتها لمظهري.

ذهبت مزهوا بملابسي البسيطة لكن المتناسقة والنظيفة، وهناك شاركت بحيوية  بالثرثرات التي تجري عادة بين الشخصيات المدعوة، وكنت واثقاً بأناقتي، وألتفت بين لحظة وأخرى إلى حذائي الذي كان يثير الانتباه بلمعانه.

كانت الحفلة في الهواء الطلق، وكان الحضور يتوزعون على مجموعات يتابعون أحاديثاً مختلقة يعلوها الضحك والفرفشة، وكنت أقف بين مجموعة منهم يعرفونني من قبل، فسمعت ثرياً منهم يقول:

ــ هذه أول مرة يتكرم مثقف ويشاركنا حفلة من هذا النوع!

فعلق آخر:

ــ المثقفون يعتقدون أنهم أكثر أهمية من رجال الأعمال!

وتدخل ثالث :

ــ هم زينة المجتمع، وينبغي أن نفك الخصومة بيننا وبينهم !

ضحكت، وأخبرتهم، أن تولستوي من أغنياء روسيا القيصرية وكان يسمى الكونت تولستوي، وأن أنجلز كان ثرياً، ومكسيم غوركي كان مشرداً، وحنا مينا كان حلاقاً، وبالتالي الثقافة لا تعرف انتماءً مرهونا بالمال.

كان العصير يوزع علينا وقوفاً، وكأننا في حديقة البيت الأبيض، وكان ثمة مصورون يدورون ويلتقطون الصور للضيوف وأنا من بينهم، وتميزت صوري بابتسامتي الواسعة وثقتي بنفسي وأناقتي التي أحسست أنها تليق بهذه المناسبة بين جمع الأثرياء.

وفجأة انتهت سيجارتي ، وكان علي أن أرميها، فلم أجد وعاءً قريباً مني لأضع العقب فيه، فرميتها بجواري، وأطفأتها بحذائي..

وماهي إلا لحظات حتى ارتفع صوتي بالصراخ ، ونسيت أن حذائي كان مثقوباً، وأن جمرة السيجارة دخلت من الثقب وأحرقت جوربي وأشعلت النار في أسفل قدمي !

التفت المدعوون إلي، وسمعت أسئلتهم :

ــ خير ؟ خير إن شاء الله !

ــ ماذا حصل ؟

ــ خير؟!

حرتُ بماذا أتصرف والنار تكويني. هل أرفع قدمي لأخرج الجمرة من ثقب الحذاء، أم أتركها وأعض على ألمي ريثما تنطفئ !

جاءني الحل، فضغطت على قدمي من جديد، وأطفأت الجمرة بحركة قوية، وانتهى الأمر، وعادت الأمور إلى طبيعتها .

غابت الابتسامة عن الصور التي التقطت لي فيما بعد، وفي كل صورة لعنة على الحذاء المثقوب، وعلى عادة التدخين التي كادت تفضح أناقتي، لكن بنطالي الأزرق، وقميصي السماوي، كانا ناصعين بحيث لم يسأل أحد عن ثقب الحذاء، الذي كان لماعاً من فوق بما يليق بمدعو مثقف !

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى