دفاعا عن حقي في الكسل

 

لولا كسلي لخصصت بعض الوقت في تأليف كتاب يمتدح الكسل. طبعا، أنا لا أطالب بتسخير شخص يكون على ذمتي في ساعات الاسترخاء، ويحكّ شعر رأسي في كل لحظة تفكير ـ إن كان لا بد من التفكير ـ وإنما أدعو لإعفائي من الرضوخ إلى كل أفعال الأمر، ولو لبضع أسابيع في العام.

أنا أطالب أيضا، بتخصيص وقت راحة للشخص الذي من المفترض أن يحك شعر رأسي في ساعات استرخائي ولحظات تفكيري، حتى وإن لم تفض لأي شيء.

تمهّل، إنّ بعض الكسل يجعلني أعود من بعده متفانيا في خدمتك يا سيدي.. ليس هذا تماما ما جعل الكاتب والمفكر اليساري الفرنسي بول لافارج (1842- 1911) زوج لورا ماركس، ابنة منظر الاشتراكية والزعيم الشيوعي كارل ماركس، يؤلف كتابه الشهير ” الحق في الكسل”، لكنه العلاج الأنسب الذي اهتدت إليه البرجوازية الرأسمالية في مواجهة ما يمكن أن يتهددها من أشخاص حرموا نعمة الكسل.

دعني أسترخي قليلا كما تفعل أنت طول السنة يا سيدي، ألبسُ قميصا أبيض وربطة عنق، وأنام ملء جفوني، إلى وقت الظهيرة دون أن يوقظني أي واجب وظيفي أو عائلي أو ديني.

دعني أجرّب ما يفعله كسالى فلاسفة الإغريق الذين حرّموا العمل على أنفسهم واستباحوه لسقط المتاع من العبيد والمأجورين لعلّي أحس بما يحسون ولو للحظات.

صحيح.. بماذا يحس المسترخون على ظهورهم وآذانهم طوال العام؟ حتما، إنهم لا يحسون بشيء.. ما أمتع أن لا تحس بأي شيء.

الكسل هو فن دلال الجسد، وإفساح المجال للعقل كي يقول رأيه حتى في عدم قول رأيه. ينصح الأطباء النفسانيون بإجهاد الجسم في الرياضة وغيرها من النشاطات الفيزيائية لإشغال الذهن عمّا قد يجتاحه من أفكار سوداء، لكنهم لا ينصحون العمال أبدا بالتفكير خارج حيز العمل.

لو قدّر لي أن أكتب في مديح الكسل ومناقبه، لخصصت جزء هاما للحديث عن طرائف ونوادر المجتمعات المعروفة بكسلها المزمن، وتعليقات أفرادها في المقاهي عما يحدث في العالم وقد ملئوا رؤوسهم ب ” ما يذهب العقل” حين لا ينفع التعقل.

الكسل ليس عطالة فكرية كما يظن أصحاب الكسل الفكري، وإنما هو إبقاء الذهن في حالة تحفز، وتحريره من كل الالتزامات الوظيفية، لذلك تنبه فلاسفة الإغريق إلى ضرورة إعفاء المفكرين من الانشغالات الجسدية، ولكن.. تحت أي بند يندرج الكسل الذي يؤدي إلى ضمور الأعضاء ـ والعياذ بالله ـ في مجتمعاتنا العربية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى