تحليلات سياسيةسلايد

دفع أميركي لتوحيد مؤسسات ليبيا العسكرية من بوابة المناورات المشتركة

تستعد قوات عسكرية من شقي ليبيا – الشرق والغرب – للمشاركة معًا في تدريبات عسكرية تقودها الولايات المتحدة، ضمن مناورات “فلينتلوك” المقررة في ربيع العام المقبل، وهو ما يُعد مؤشراً لافتاً على إمكانية تجاوز الانقسام الطويل الذي عصف بالمؤسسة العسكرية الليبية وتلافي تكرار الحرب الدموية التي دارت بين قوات من الشرف والغرب قبل نحو 6 سنوات.

وستقام المناورات، التي تُعد من أبرز التدريبات التي تنظمها القيادة العسكرية الأميركية في إفريقيا (أفريكوم)، لأول مرة على الأراضي الليبية منذ 2011، وهو ما يمثل تحولاً جوهرياً في مسار التعاون الأمني بين واشنطن وليبيا، ويعكس مستوى جديداً من التنسيق بين القوى العسكرية الليبية المتنافرة سابقًا.

وتم الإعلان عن الخطوة خلال زيارة رسمية أجراها الفريق جون برينان، نائب قائد “أفريكوم”، إلى مدينة سرت، حيث التقى بالفريق صدام حفتر، نائب قائد الجيش الوطني الليبي. وأوضح برينان أن المناورات تهدف إلى تعزيز قدرات القوات الليبية في مواجهة التهديدات الأمنية، وعلى رأسها الجماعات المتطرفة، إضافة إلى تقوية التعاون بين الأجهزة العسكرية المختلفة داخل البلاد.

وأكد برينان أن “القوات من الشرق والغرب بدأت العمل معًا بطرق غير مسبوقة”، في إشارة إلى التقدم الملحوظ نحو التنسيق المشترك، الذي طالما كان أحد أكبر التحديات التي تواجه جهود توحيد المؤسسة العسكرية الليبية.

ولا يحمل التمرين العسكري فقط دلالات داخلية تتعلق بالمصالحة العسكرية، بل يوجه أيضًا رسائل استراتيجية إلى الخارج، خاصة مع تصاعد المخاوف الغربية من توسع النفوذ الروسي في شرق ليبيا، في ظل العلاقات الوثيقة بين الجيش الوطني الليبي، بقيادة المشير خليفة حفتر، وموسكو.

وبحسب مراقبين فإن جزءاً أساسياً من أهداف “فلينتلوك” يتمثل في تقليص تأثير روسيا في منطقة شمال إفريقيا، من خلال تقوية الشراكات مع القوى المحلية وإعادة بناء قطاع أمني موحد يمكنه أن يشكل رادعًا فعالاً لأي تدخل خارجي غير مرغوب فيه.

وفي موازاة هذه التطورات الميدانية، تتواصل الجهود الدبلوماسية لدفع عجلة الاستقرار. فقد أكدت نائبة رئيسة بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، ستيفاني خوري، خلال اجتماعاتها الأخيرة، دعم المنظمة الدولية لاستقلال المؤسسات الليبية، وأثنت على إطلاق الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، معتبرة إياها خطوة مهمة نحو تعزيز الشفافية.

كما جدد السفير القطري لدى ليبيا، خالد الدوسري، دعم بلاده للمسار السياسي الليبي، وذلك خلال لقائه بخوري، في إشارة إلى وجود توافق إقليمي ودولي على ضرورة إنهاء حالة الانقسام وإعادة بناء الدولة الليبية على أسس موحدة.

وتوحيد المؤسسة العسكرية لا يقتصر على البعد الأمني فحسب، بل يمتد إلى آفاق أوسع، حيث يرى مراقبون أن وجود جيش ليبي موحد يشكل شرطًا أساسيًا لإنهاء الانقسام السياسي والمرور نحو تحسين الوضع الاقتصادي لجذب الاستثمارات الأجنبية وإطلاق مشاريع تنموية كبرى. وقد أشار الفريق برينان إلى هذا الجانب، مؤكدًا أن “إصلاح القطاع الأمني هو المفتاح لتحقيق النمو الاقتصادي والاستقرار الدائم”.

وتشكل المناورات المشتركة المرتقبة بداية جديدة لليبيا في سعيها لإنهاء الانقسام العسكري الذي دام أكثر من عقد. وبينما تعمل القوى الدولية على تسهيل هذا التقارب، تبقى المسؤولية على عاتق الليبيين أنفسهم في استثمار هذا الزخم نحو بناء مؤسسة عسكرية وطنية، تعكس طموحات الشعب الليبي وتؤسس لمرحلة جديدة من الأمن والاستقرار.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى