دليل الروائي الشاب لفك ألغاز «كتارا»
خرج الخليفة المتوكل للصيد مع وزيره ورمى عصفوراً، فأخطأه، فأسرع الوزير قائلاً: «أحسنتَ يا مولاي»، فنظر إليه الخليفة غاضباً وقال: أتهزأ بي؟ فأسرع الوزير لإنقاذ نفسه وقال: أحسنتَ إلى العصفور».
وأظن أن لجنة تحكيم جائزة «كتارا» أحسنت أيضاً مثلما أحسن الخليفة بإطلاق سراح الرواية بعيداً من منصة التكريم، واكتفت بالصيد المضمون، والتقاط جثث الروايات المتاحة في السوق. فلو لاحظتَ عزيزي الروائي الشاب ستجد أن معظم الروايات الفائزة في الدورتين، خصوصاً في فئة «الروايات المطبوعة»، أصحابها ظهروا في قوائم البوكر خلال السنوات الماضية. وهذا يعني أن الجائزة قررت في دوراتها الأولى تكريم كلّ من لم يصبه الدور في البوكر، وبعد ذلك ستجد لجان التحكيم نفسها في ورطة وتضطر إلى قراءة الأعمال المرشحة. أما الآن، فهي تمنح الفوز بأسبقية الحجز في البوكر، وتكريس المكرَّس، وهذا يفسر الشعور بافتقاد أي إثارة. حتى لعبة تسريب الأسماء التي تُمارس كل سنة لا تصلح لفتح الشهية ولن تجعلك تتساءل: من هذا الكاتب؟ أين هذه الرواية؟
فأول مبدأ للفوز بجائزة «كتارا» – عزيزي الروائي الشاب – أن تحجز مقعداً أولاً في البوكر، فحتى لو خسرتَ هناك سيتم تعويضك هنا. المبدأ الثاني: لا أنصحك عزيزي الكاتب الشاب – والكاتب الشاب في العالم العربي هو من لم يبلغ الخمسين بعد – بالتقدم إلى فئة الروايات المطبوعة، فهي تكاد أن تكون حكراً على سن المعاش، أي ما فوق الستين، ويستحسن لو تجاوز الكاتب السبعين، ويكون قد انتهى أساساً من مشروعه الروائي ودخل مرحلة النيرفانا. لأن الكاتب السبعيني إذا فاز بستين ألف دولار سيتعامل معها بحنكة وبما لا يخالف عاداتنا وتقاليدنا. أما الكاتب الخمسيني فمازال في مرحلة طيش الشباب وسيبدد المبلغ في ما ليس في مصلحة الرواية العربية.
وللأمانة التاريخية؛ «كتارا» تعتبر شبابية مقارنة بجائزة نوبل إذا عرفنا أن أشهر مرشحين عربيين لها في الثمانين، وهما أدونيس ونوال السعداوي. هذا لا يعني أن الجوائز لا ترعى الشباب، بل ترعاهم أفضل من رعاية الحكومات. لكن تراتبية السن عادة عربية أصيلة، فليس معقولاً أن كاتباً شاباً في الخامسة والثلاثين سيتفوق على أستاذه ابن السبعين. أيضاً دور النشر مهمة، فلو راجعتَ معظم الجوائز العربية ستجدها تدور في فلك عشر دور نشر. هل سمعت عن فائز من الصومال الشقيق أو دولة جيبوتي الشقيقة؟ بالطبع لا. ليس لعيبٍ خِلقي في الزملاء كُتاب جيبوتي، بل لأنه يُفَضَّل عددٌ محدود من دور النشر المصرية واللبنانية على وجه الخصوص.
هل تعتقد عزيزي الروائي الشاب بأن لجنة تحكيم مكوَّنة من عشرة أفراد قرأت حقاً 1004 روايات خلال سنة، كي تستبعد مبدئياً 974 رواية منها؟ «سوبرمان» نفسُه لا يستطيع قراءة ثلاث روايات في اليوم، خصوصاً من تلك الأحجام الدسمة التي تزيد عن أربعمئة صفحة. قد علمنا أن لجان التحكيم أصدرت قراراتها من غير أن تتفق معاً على أسماء الفائزين. فأحد المحكمين فوجئ بأنه لم يختر الفائز الذي أعلن اسمه.
يكفي المُحَكِم أن يتأكد من دار النشر وسنك وعنوان روايتك ووجود مقعد باسمك في البوكر كي يرشحك للفوز، خصوصاً لو كنتَ تتناول موضوعاً طيباً عن «سور السرايا»، أو «فناء الدار الكبيرة»، أما أي عناوين فيها تلميحات إلى أي «تابو»، فهي غير مُستَحَبَة بإجماع المُحَكمين. فالهدف ليس اكتشاف كتابة، بل تربية ذائقة طيبة وصالحة للاستعمال لمرات عدة. أما بخصوص فئة الروايات المخطوطة، غير المنشورة، فهي خاصة بالمبتدئين وغير المشهورين. لن يخبرك أحد بذلك لكنك ستستنتج الحقيقة بسهولة، وإلا لماذا هذه التفرقة بين مخطوط ومطبوع؟
تخيَّل مثلاً لو تم توحيد الجائزة لأعمال غير منشورة مع التكتم على أسماء مؤلفيها، ستُفَاجأ بسقوط أصنام كثيرة، ومهازل يشيب لها الوِلدان. وليس هناك عذرٌ لكاتبٍ شاب يزاحم «الكبار» في فئة المطبوع. أما من يشارك في فئة المخطوط، فهو معذور لأنه يبحث عن فرصة نشر محترمة. وفي هذه الحال أقول له: يُستحسن أن تشارك في التنافس على الجائزة، وفي الوقت نفسه لا تتكاسل عن البحث عن ناشر، ولو أكرمك الله بناشر ابن حلال لا تتردد. كل ما عليك إذا كان مخطوط روايتك التي سلَّمتها إلى منظمي الجائزة بعنوان «مملكة الظلام»، فما عليك في حال نشرها إلا تغيير العنوان إلى «مسامرة الحوت». وثِق أن لجان التحكيم لا تقرأ مخطوطاً ولا مطبوعاً. وقد تستغرب – عزيزي الروائي الشاب – من أمور إدارية غامضة وملتبسة لكن يستحسن ألا تُلقي لها بالاً. فمثلاً؛ الدورة الأولى أُعلنت نتيجتها في أيار (مايو) والثانية في تشرين الأول (أكتوبر) والله وحده يعلم موعد إعلان أسماء الفائزين في الدورة الثالثة. أيضاً؛ معظم الجوائز تعلن دورتها الجديدة عقب توزيع القديمة إلا «كتارا»، فَتَحَت باب الدورة الثالثة قبل شهرين من إعلان نتيجة الثانية!
أيضاً؛ لا تتحامق مثلي وتفتش في موقع الجائزة عن أعضاء لجان التحكيم في مراحلها الثلاث، ولا عن بيان التحكيم الذي يخبرك لماذا فاز مَن فاز، فما أهمية هذه التفاصيل الشكلية؟ فالتحكيم في النهاية «أذواق وأرزاق»، كما قال رولان بارت، طيَّب الله ثراه.
وعقب ظهور النتائج سألني أحد الشباب: معقول إن زميلنا الروائي الشاب هو من يُحَكِمُ أعمال الروائي الكبير فلان؟ ألا يفترض العكس؟ فقلت له إنه وفق إجماع الأمة، فإن شرط السن في الفوز أهم منه في التحكيم. وأخيراً سألني: بعد انفضاض المولد ما هي الرواية التي تنوي قراءتها من بين الأعمال الفائزة؟ على الفور قلت له: «فسادُ الأمكنة» لصبري موسى. فعاد وسألني: لماذا وهي أصلاً غير مرشحة؟ قلت له: لهذا السبب تحديداً؛ لأن سهم الجائزة أخطأها، فهي رواية تعيش وحدها من دون أفراح الجوائز ولياليها المِلاح.
صحيفة الحياة اللندنية