دمشق تبكي الحكواتي الأخير

جفّ نهر يزيد منذ أكثر من خمسة عقود، ولم يعد يغذي النافورة التي كانت تتدفق إلى مسافة 5 أمتار من خلف المسجد الأموي الشهير. كذلك، لم تمح كل السنين ذكرى حادثة الشهيد الذي نفر دمه في المكان ذاته عندما قطع جنود الاحتلال العثماني رأسه، وما زال “مقهى النوفرة” الذي سمي نسبة لواحد من هذين السبيين شاهداً على العصور. يرتاده اليوم العشرات من السوريين بعدما أجبرت الحرب دمشق على إغلاق أبوابها في وجه السياح الذين كانت تلك الأحياء تغص بهم بشكل شبه يومي.

ولو عاد هؤلاء السياح يومياً، لن يجدوا الحكواتي رشيد حلاق (1944/2014) الذي اعتلى منصة المقهى بزيه التقلدي أي بشروال فضفاض وطربوش أحمر وتحول يومها إلى نجم يُقصد المقهى بسببه. لكن أول من أمس، رحل حلاق إثر نوبة قلبية أنهت رحلة أعوامه السبعين، فصلّي عليه في «مسجد الرفاعي» في حي «كفرسوسة» ثم ووري ثرى مقبرة «باب الصغير» في دمشق القديمة ليرقد إلى جانب الأحياء التي تربى فيها وتعلم منها مهنة يصعب إتقانها. كان يروي قصصاً من التراث والتاريخ العربي مدونة في مجلدات كتبت بخط اليد حفظها في مكتبة خاصة في بيته وأجاد قراءتها وتجسيد حركات حماسية معها، رغم أنها تعج بالمصطلحات العثمانية من أيام خلت لا يمكن قراءتها إلا عبر تمرس في المهنة أو معاصرة المرحلة. بعد سفره سنة 2012 إلى لبنان، استقدمت إدارة المقهى حكواتياً جديداً اسمه أحمد اللحام، لكن بقي حلاق يعرف بآخر الحكواتيين الذي يبصمون تاريخ دمشق عن ظهر قلب. لذا خلدته «النوفرة» قبل أن يموت عندما علقت له صورة على جدرانها إلى جانب صور عبلة حبيبة عنترة بن شداد كأن إدارة المقهى عرفت أنها ستفقده للأبد.

لم يتمكن من الابتعاد عن دمشق سوى أشهر وسرعان ما أعاده الحنين إلى بلده مطلع هذا العام. في اتصاله مع «الأخبار»، يوضح نجل الفقيد الوحيد شادي حلاق بصوت مبحوح يتخلله صوت آيات قرآنية بأن والده رحل وفي قلبه غصة كبيرة «لأنه سافر بضعة أشهر إلى لبنان وعاد في مطلع هذا العام لكنه لم يتلق أي اتصال لا من “مقهى النوفرة” ولا من غيره لمزاولة المهنة التي أحبها، فمات وهو يشعر بأنه لم يعد يلزم العصر الحديث» فيما يلفت إلى أنّ الراحل «صورّ 45 حلقة لبرنامج تلفزيوني اسمه «حكواتي رمضان» عرضت منه الفضائية السورية 15 حلقة وما زالت في جعبتها 30 حلقة لم تعرض حتى الآن». وأخيراً يلفت شادي إلى أنه تعلم فن خيال الظل بسبب ولعه بمهنة والده الاستثنائية.

صحيفة الأخبار اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى