تحليلات سياسيةسلايد

دمشق تتحرك لاحتواء أزمة مع القاهرة بعد هتافات مسيئة للسيسي

الخارجية السورية تنشر بيانا يندد بقيام عدد من المتظاهرين بترديد شعارات مسيئة لمصر والرئيس السيسي على هامش وقفة تضامنية مع الشعب الفلسطيني في العاصمة دمشق.

 

سارعت وزارة الخارجية السورية إلى إصدار بيان استنكرت فيه ما وصفته بـ”الهتافات المسيئة لمصر” التي أطلقها بعض الأفراد على هامش وقفة تضامنية مع الشعب الفلسطيني في العاصمة دمشق، في خطوة دبلوماسية لافتة هدفت إلى منع تدهور العلاقات مع القاهرة.

وأكد البيان السوري، الذي جاء بعد ساعات قليلة من انتشار مقطع فيديو يُظهر مجموعة محدودة من المتظاهرين يرددون شعارات مسيئة لمصر والرئيس عبدالفتاح السيسي، أكد أن “مثل هذه التصرفات المستنكرة لا تعكس على الإطلاق مشاعر الشعب السوري “تجاه مصر الشقيقة قيادة وشعبا” وأنها لا تمثل إلا من قام بها”.

وأضافت الخارجية في بيانها “حرص الجمهورية العربية السورية على تعزيز أواصر العلاقات السورية المصرية والتمسك بها، ورفضها القاطع لأي محاولة للإساءة إليها”، في إشارة واضحة إلى أن دمشق لا ترغب في الدخول في خلاف دبلوماسي جديد، خاصة في ظل ما تشهده الساحة الإقليمية من توترات.

ويُنظر إلى هذه الخطوة السورية على أنها محاولة صريحة لاحتواء الغضب المصري المتزايد، بعدما أثار الفيديو موجة من الاستياء في الأوساط السياسية والإعلامية في القاهرة، ترافق مع دعوات غير رسمية إلى مراجعة العلاقات الثنائية.

وأكدت مصادر مطلعة في دمشق أن البيان جاء بتوجيه مباشر من أعلى المستويات في القيادة السورية الجديدة، في ظل حرص واضح على إبقاء القنوات الدبلوماسية مع مصر مفتوحة، خصوصًا بعد الجهود التي بذلتها دمشق في الأشهر الماضية لإعادة ترميم علاقاتها العربية عقب سقوط نظام بشار الأسد.

من جانبها اتهمت وزارة الداخلية السورية مباشرة عناصر مرتبطة بالنظام السوري السابق، بالوقوف خلف المظاهرة حيث أوضح المتحدث باسم الوزارة، نورالدين البابا، في تصريحات لتلفزيون سوريا، أن بعض الجهات استغلت التعاطف الشعبي السوري مع معاناة الفلسطينيين في غزة، لتنظيم مظاهرة بدا ظاهرها مؤيدًا للقضية الفلسطينية، لكنها حملت في مضمونها أهدافًا مغايرة تهدف للإساءة إلى العلاقات السورية–العربية.

وأضاف أن الوزارة فتحت تحقيقًا بشأن الجهات التي حرّكت هذه المظاهرة، مؤكدًا أن بعض المشاركين على صلة مباشرة بأشخاص ذوي خلفيات مرتبطة بالنظام البائد.

وشدد على ضرورة التمييز بين من يناصر القضية الفلسطينية بدافع صادق، وبين من يستخدمها كغطاء لإحداث فتنة سياسية أو الإساءة للعلاقات بين سوريا وأشقائها العرب. وأكد أن موقف سوريا الداعم للحقوق الفلسطينية موقف ثابت لا يمكن التشكيك فيه أو إخراجه من سياقه القومي.

وفي ختام تصريحاته، أشار إلى أن معظم المشاركين في التعبير عن التضامن مع فلسطين يتحركون بدوافع وطنية وإنسانية، إلا أن مجموعة محدودة، معروفة بمواقفها السابقة، حاولت استغلال الحدث بطريقة تُسيء لصورة سوريا وجهودها في استعادة علاقاتها العربية، وهو ما لن يُسمح به.

وفي هذا السياق، يُفهم الموقف السوري على أنه جزء من استراتيجية أوسع للاندماج مجددًا في المحيط العربي، حيث تعمل الحكومة السورية الانتقالية على استعادة علاقات طبيعية ومتوازنة مع مختلف العواصم العربية، وعلى رأسها القاهرة.

وتُعد العلاقات السورية-المصرية من أولويات السياسة الخارجية للحكومة الجديدة، لا سيما بعد اللقاء البارز الذي جمع وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني بنظيره المصري بدر عبدالعاطي في نيويورك على هامش اعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة ، وهو اللقاء الذي مثّل مؤشراً قوياً على وجود نية سياسية متبادلة لإعادة بناء جسور الثقة بين البلدين.

وتسعى دمشق إلى تفادي أي حوادث قد تُستخدم لتشويه صورة الحكومة السورية الجديدة أو تعطيل مسار تطبيع العلاقات مع الدول العربية، خصوصًا مع مصر التي تحتضن جالية سورية ضخمة كانت موضع إشادة رسمية في البيان، حيث أعربت الخارجية السورية عن “تقديرها الكبير واحترامها لمصر وشعبها الكريم، الذي احتضن مئات آلاف السوريين خلال السنوات الماضية”.

وفي خلفية هذا التحرك السوري الرسمي، لا يمكن تجاهل الاعتبارات الأمنية التي تؤثر على العلاقة بين دمشق والقاهرة، إذ كانت السلطات السورية الجديدة قد ألقت القبض، قبل أسابيع، على المتشدد المصري حمد منصور، الذي قاتل في صفوف “هيئة تحرير الشام” في شمال سوريا، ونشر عدة مقاطع فيديو هدد فيها الحكومة المصرية وتوعد الرئيس السيسي بمصير مشابه لما حدث لبشار الأسد. ويُنظر إلى هذا الحادث على أنه أحد العوامل التي دفعت دمشق إلى اتخاذ موقف واضح لطمأنة القاهرة.

وفي وقت تتعاظم فيه التحديات الإقليمية، تأتي محاولة سوريا الجديدة للظهور كدولة مسؤولة ومنفتحة على محيطها العربي، مع التمسك بمبادئ السيادة، ولكن دون إثارة خصومات مجانية أو خلافات جانبية. ولا تزال جهات قريبة من السلطة في مصر تنظر بتحفظ وقلق تجاه السلطات السورية التي انبثقت عن حركات الإسلام الجهادي.

وبينما لا تزال بعض الأطراف تحاول استثمار الحادثة لتوتير الأجواء، يبدو أن الرسالة السورية وصلت إلى القاهرة بوضوح: لا نية للمواجهة، بل تأكيد على الاحترام، وتقدير متبادل بين دولتين لهما ثقل تاريخي في المنطقة.

وتختم الخارجية السورية بيانها بالتشديد على أن “قيام البعض باستغلال هذا الحادث المعزول، في محاولة لتعكير صفو العلاقات الأخوية العميقة والراسخة بين سوريا ومصر” أمر مرفوض، مؤكدة استمرار التنسيق المشترك وتغليب صوت الحكمة في العلاقات الثنائية.

ميدل إيست أونلاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى