دمشق تنتظر السياسات الأميركية

 

ربما يجد بايدن في سوريا ملفاً متضمناً ضمن ملفات التفاوض مع إيران وروسيا، فهي لم تكن قضيّة مهمّة للأمن القومي الأميركي كما رأى جيفري فيلتمان ووافقه بذلك روبرت فورد.

لا شيء يتغير في دمشق. السياسة هنا مبينة على أولويات ومبادئ ثابتة، لا يحكمها انتظار تغيير في الإدارة الأميركية أو غيرها.. ولا يبدو أن الملف السوري على جدول أعمال بايدن أو ضمن أولوياته، إذ إنَّه لم يدرج سوريا في أيّ تصريح أو موقف منذ توليه الرئاسة الأميركية، على عكس ملفات المنطقة الأخرى.

ربما يجد بايدن في الملف السوري ملفاً متضمناً ضمن ملفات التفاوض مع إيران وروسيا، فهي لم تكن قضيّة مهمّة للأمن القومي الأميركي، كما يرى جيفري فيلتمان، مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط، ويوافقه بذلك روبرت فورد، السفير الأميركي السابق في دمشق، الذي يزيد في نصح الرئيس الجديد بأن يغادر سوريا، لأنه الخيار الأقل سوءاً، وأن يتخلّى عن دعم الكرد فيها.

قد لا تكون مصادفة أن تبدأ مبكراً بعد دخول بايدن إلى البيت الأبيض تصريحات تكاد تكون متطابقة، وتصدر عن مسؤولين أميركيين لطالما كانوا الأكثر قرباً ومعرفة بالشأن السوري، وأدركوا بشكل واضح فشل كل السياسات والتقارير التي قالت إن إسقاط الدولة السورية مسألة وقت لا أكثر، وزاد في هذا اليقين حينها سيطرة المجموعات المسلّحة على مساحات واسعة من أراضي سوريا، وعشرات الاغتيالات والتفجيرات التي راهنوا أنها ستتدحرج إلى الهجوم على دمشق من خلال المنافذ الجنوبية والرهان على تفكيك الأجهزة الأمنية والجيش.

ليس الانتصار العسكريّ وحده للجيش السوري وحلفائه والرئيس الأسد، هو ما استدعى من جيفري فيلتمان وروبرت فورد هذه التصريحات التي تقارب الاعترافات بأخطاء فادحة أثبتتها السنوات العشر من الأزمة السورية. كما أنّ الضغط الاقتصادي والعقوبات التي طالت قطاعات واسعة وشخصيات كثيرة، لم تؤدِ، بحسب فيلتمان وفورد، إلا إلى المزيد من تمسك دمشق بحلفائها والاعتماد عليهم، وليس العكس، “فباستثناء مواجهة تهديد “داعش”، فشلت السياسة الأميركية في سوريا”، يقول فيلتمان.

في الورقة التي نشرها جيفري فيلتمان وهراير باليان، مدير مركز “كارتر”، يطرح الرجلان مساومة سياسية: خطوات ملموسة وشفافة ومحددة في الإصلاح السياسي من دمشق مقابل تخفيف العقوبات، والهدف هو وقف الانحدار في سوريا وإعادة تنشيط الدبلوماسية الأميركية، بشكل يمكّن من إحراز تقدّم في قضايا منفصلة، ويمنح الحكومة السورية وداعميها طريقاً واضحاً للخروج من الأزمة الاقتصادية والإنسانية.

تعتبر الكثير من التّحليلات السياسيّة والصّحافية المعادية لدمشق أنَّ الرئيس الأسد يملك داعمين في واشنطن، وهو أمر بدأت بتداوله منذ أن تراجع أوباما عن خطه الأحمر وامتنع عن قصف دمشق بذريعة استخدام السلاح الكيميائي في الغوطة.

ما فات هذه التحليلات أن واشنطن، وبمعزل عن براغماتية السياسة الأميركية، تعطي دائماً الأولوية للدبلوماسية لتعزيز مصالحها، حتى مع أشد خصومها، وسلوك ترامب وقراراته كانا أداءً استثنائياً في السياسة الخارجية، لكنّ جواباً قاطعاً يأتي من دمشق: “عادة ما لا نعطي تصريحات المسؤولين الأميركيين أهمية، ولا يمكن أن نبني عليها أي شيء. الأفضل انتظار السياسات التي ستطبّق”.

الميادين نت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى