دول الكورونا: الصارمة، أم المحترمة، أم الديمقراطية؟!

 

خاص باب الشرق :

مع إجتياح فيروس الكورونا للعالم وإنتشاره في الشرق والغرب، بدا المشتغلون بالتنظير السياسي بدراسة تأثير بنية الدولة على التعاطي مع هذا الفيروس وتأثير طبيعة الدول في مواجهة هذا الوباء. ورغم أن كل ما يطرح مازال في إطار التساؤلات، لكنها تساؤلات تفتح باب الدراسة والبحث للوصول إلى نتائج فلسفية سياسية حول الدولة و بنيتها و طبيعتها وملاءمتها لمصالح الشعوب بناء على تجربتها مع الكورونا:

  • استعمل البعض وصف ( الدولة المحترمة) للإشارة للدول التي تعاطت مع الفيروس بطريقة مميزة قامت على عدة عوامل منها : الشفافية مع شعبها وإعلامه بكل تطورات إنتشار الفيروس. و منها أيضاً العمل على تطبيق الإجراءات الإحترازية الصحية لمقاومة الفيروس. كما أن منها توفير الرعاية الطبية اللائقة للمصابين و توفير العلاجات المؤدية لشفائهم. كما أن من هذه العوامل تأمين الدولة لكل مستلزمات الحياة الإعاشية والخدمية والإقتصادية اللازمة لحالة الحجر الطوعي المطلوبة. وهكذا بدأ الدارسون يعتبرون أن الدولة التي توفر هذه العوامل في تعاطيها مع الفيروس من الدول ( المحترمة). و يبدو أن الإحترام هو إعتبار الشعب شريكاً حقيقياً في إدارة البلاد خاصة في الكوارث. فهل سيتطرق الدارسون إلى طرق مشاركة الشعب بالقرارات في هذه الدول ( المحترمة)؟؟
  • هناك من اعتبر أن ( الدول الصارمة) هي الأنجح في معالجة الوباء والقضاء عليه، و يعيد هؤلاء نجاح الصين في تجاوز مرحلة الفيروس القاتل إلى سياستها الصارمة في إدارة البلاد، فما أن وجه الرئيس الصيني الشركات التقنية إلى توظيف التكنولوجيا في خدمة مواجهة الفيروس. حتى أنتجت الروبوتات التي تخدم المرضى في المستشفيات والمحاجر، دون حدوث أي تماس بشري مع المرضى. كما أنتجت طاسات لرجال الشرطة تستطيع تحديد حرارة المارين في الشارع مما يسهل عليهم الإمساك بمن يعاني من حرارة مرتفعة ..كما أن الصرامة هي ما جعلت الشعب المنضبط ينفذ تعليمات الحكومة من الحجر المنزلي إلى إتباع الإجراءات الصحية وإلى ممارسة كل ما هو مطلوب منه. كما أن الصرامة في توجيه القيادة الصينية العلماء إلى إنتاج اللقاح المناسب والدواء المعالج جعل الصين من أوائل من أعلنوا أنهم توصلوا إلى اللقاح المناسب والدواء المعالج، و بدأوا بتجريبه سريرياً. و هكذا فإن هؤلاء الدارسون بدأوا يخرجون بإستنتاجات عن جدوى وفعالية الحكومات الصارمة في معالجة الأزمات وإيصال الشعب إلى بر الأمان وإبقاء الحياة مستمرة ومصانة.
  • أما الدول الديمقراطية فقد حظيت بنقد عميق وواسع في ظل الكورونا. وجرى التشكيك بالديمقراطية حيث أن دولاً عريقة بديمقراطيتها، كبريطانيا، تهاونت في إستباق المرض، وتواقحت على شعبها بعدما بدأ الوباء بالإنتشار، حيث خاطب رئيس وزرائها الشعب بكل استهتار قائلا” ( ثلاثة أرباع الشعب البريطاني سيصاب بالفيروس. و كثيرون منكم سيفقدون أحباءهم قبل وقتهم)… كما أن ترامب استهتر في البداية، وسخر من الوباء، حتى فوجئ بحاكم ولايو أوهايو يعلن أن الوباء يكتسح ولايته بشكل مفجع. وفضحت الواشنطن بوست إدارة ترامب بكشفها عن تقرير للمخابرات المركزية الأميركية في نهاية العام الماضي حذر من إمكانية إنتشار وباء فيروسي. و لكن ترامب وإدارته أستهتروا بالتقرير وأهملوه، وقام بولتون مستشاره للأمن القومي حينها بإلغاء هيئة الطوارئ لمكافحة الأوبئة، التي كانت مستعدة لمواجهة وباء فيروسي… كما أن صور تقاتل الأميركيين في المولات، للحصول على المواد الغذائية، جعل صورة الدولة العظمى الديمقراطية كصورة دولة أفريقية فقيرة. لذلك لاغرابة عندما نسمع الفيلسوف الفرنسي ميشال أونفراي يقول، في مقابلة له مع مجلة لوبوان معتبراً أن ( أوروبا أضحت العالم الثالث الجديد) ولم ينج النظام الديمقراطي الأميركي من هجاء الكاتب العالمي توماس فريدمان الذي قارنه بالنظام الصيني مرجحاً الأخير. . . . الظاهر أن فيروس كورونا أصاب الديمقراطية، و فضح نظام مناعتها، و شرشحها بشكل كبيرحيث أنتقلت من النظام المنقذ إلى النظام المتهافت.

كل ذلك يجعلنا نتساءل عن المدى الذي سيذهب إليه النقاش الفكري حول الأنظمة السياسية بناء على تجربتها مع وباء كورونا، و سيكون من المدهش أن يوجه الفيروس ووباؤه اتجاه الأنظمة السياسية لما بعد الكورونا!!!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى