دونكشيتيون ولكن .. لاتقتلوا الحلم!
خاص القاهرة :
من البدائه أن البشر، على اختلاف بيئاتهم الحواضن ، يجمعهم من المشتركات مالم تفلح كل أشكال الصراع الإنساني/الإنساني في إزاحته عند النظر إلى أية قضبة ، سواء ارتكز المتصارعون على اختلافات عرقية أو إثنية ، أو لعب التفاوت الاقتصادي دوره في إذكاء حرب استغلال أو استعباد ، أو حتى فرض نمط من الهيمنة الاستعلائية لثقافة الأقوى، أو الأغنى، أو الأشرس ، ويمثل هذا المشترك الإنساني ـ لدى معظم المفكرين ، والطوباويون منهم بوجه أخص ـ أحد أهم ركائز الحلم بخلاص البشرية مما يناقض فكرة الوجود الخلاق المطموح الوصول إليه ، وحالت الحروب ، عالميها ومحليها دون تحقيقه ولو لفترة قصيرة من عمر البشرية التي ما إن تهدأ منطقة في العالم حتى تشتعل الأخرى ، وما من حلم يتحقق أو يوشك ، إلا ويتبعه وربما اخترقه كابوس لعين ، فالحياة منذ بدء الخليقة تعاني صراع الإرادات والرغبات ، وحضور الأنا الفردية أو حتى التي ترتدي ثوب الجماعة ، دينية كانت أو عرقية ، وطنية أو قومية.
يرى كثيرون ممن استلبتهم العولمة في صيغها المتعددة رغم ادعائها السعي للتوحد الإنساني أن المحاولات المتعاقبة لفلاسفة ومفكرين من مختلف المناهج ليست إلا حروب دونكيشوتية ، وأن المصير الإنساني لن يتحدد بتطلعات الذين لايدركون أبعاد الصراعات ، وكيف لاتفلح معها خطب الساسة ولا اجتماعات الأمم المتحدة والقرارات الدولية التي يفرض سيادتها منطق القوة وفرد العضلات ، بما يهزم كل الطموح البشري إلى التحرير والاستقلال ومكافحة الأوبئة السياسية التي تصنعها معامل الأيديولوجيات على قياسات الطرف الأقوى ،ومن ثم فإننا معشر الكتاب والمؤلفين نسخ مكرورة من ثربانتس نبدد طاقاتنا في محاربة طواحين الهواء غير واعين بالعدو الحقيقي وهو بالمناسبة كامن في عقل كل منا حين نقع ـ غالبا ـ في الافتتان الذاتي وادعائية امتلاك اليقين ، وحيازة الحقيقة .
سيتصور القارئ أنني بهذه الرؤية أتبنى التوقف عن تقديم حلول مقترحة لأية أزمة يمر بها الوجدان الفردي أو الجمعي، مادامت النتائج المستقرأة من سجل الأحداث المتعاقبة تؤكد عجزا إنسانيا عن حل أعظم المعضلات التي تواجهه وهي الحرب التي لاتتوقف رحاها ، والتي يشعلها في كثير من الأحيان أدعياء السلام ، فمن المفارقات أن تاجر السلام الديمقراطي هو صاحب مصانع السلاح ، وأن منتج الفاكسينات هو خالق الفيروسات ، لكن ماأود التأكيد عليه أن القبض على الحلم هو أحد أهم المعارك التي ينبغي ألا يتوقف عن خوضها كل صاحب قلم أو فكرة ، مؤمنين بأن بقاء الحلم هو الرهان الأعظم مكسبا على حياة القضايا الكبرى ، فلو سلمنا مثلا بالتفوق العسكري الذي يجعل كيانا غاصبا يقتلع دولة من جذورها ، وفي القضية الفلسطينية ، وفي الاستهداف المتتالي للإمبريالية الجديدة للدول العربية الكبرى كمصر والعراق وسورية ، وأن يظل الكاوبوي قادرا على اقتلاع الهنود الحمر، ومن ثم العرب الحمر من أرضهم دون أية رغبة في المقاومة فإننا حتما نكون قد كتبنا للإنسانية شهادة وفاتها ، صحيح أن العلل والأمراض السياسية والاقتصادية والثقافية تفتك بالحياة، إلا أن سيف “دون كيشوت” لابد أن يظل مرفوعا على الأقل ليظل إحساسنا بأن هناك عدوا، لابد أن يهزم لتنتصر الحياة ..
لعلنا لانتوقف رغم الخطوب المتتالية عن الحلم بخلاص العالم ، مستندين إلى عدم تكافؤ قوى الخير والشر ، واعلموا أن الرغبة في المقاومة هي الرهان الأعظم على حتمية انتصار الإنسان .