ديموقراطية أميركا: شراء الانتخابات (جيمس زغبي)

 

جيمس زغبي

لقد حصلت على درجة الدكتوراه من جامعة «تيمبل»، التي كان مؤسسها رجل الدين المعمداني في القرن التاسع عشر «راسل كونويل»، الذي كان دون شك كاتباً رصيناً وخطيباً آسراً للقلوب ورائد أعمال وصاحب رؤية، ولكن علوم الدين التي ساعد على نشرها كانت – في كلمة واحدة – مثيرة للقلق، إذ قدمت تبريراً مقدساً لكسب المال، وشرعنت اتساع الفجوة بين الأثرياء والفقراء، في ما يبدو متوافقاً إلى حد كبير مع سياسات الحزب الجمهوري في الوقت الراهن.
وقد اعتقد «كونويل» أن الثروة متوافرة لجميع البشر، ولأن فرص الثراء متاحة في كل مكان، فإن كل ما على الشخص أن يفعله كي يجني الثروة هو العمل الكافي بجد، وأن يصادفه السداد والتوفيق في عمله، وهذا هو ما درّسه «كونويل» لأتباعه.
وكتب أيضاً أن «من واجب الإنسان المتدين أن يكون ثرياً، فالمال هو مصدر السلطة والقوة، وبالمال تطبع كتب الدين، وتُبنى دور العبادة، وتُرسل البعثات الدينية، ويُنفق على العاملين فيها». وتابع «إن الإنسان الذي يحصل على أكبر راتب يمكنه أن يفعل خيراً كثيراً بالقوة التي مُنحت له».
وإذا كانت الثروة والسلطة «نعمتين من الله»، فإنه حسب «كونويل»، «لا بد أن الفقر نتيجة عقوبة للمرء على ذنوبه، ومن ثم، يكون التعاطف مع إنسان فقير، عاقبه الخالق على ذنوبه، هو في حد ذاته فعل غير ملائم، ولا شك في ذلك، ودعونا نتذكر أنه لا يوجد شخص فقير في الولايات المتحدة لم يصبح فقيراً بسبب عيوبه ونقائصه»!
والحقيقة أنني فكرت كثيراً الأسبوع الماضي في دواعي التمجيد الديني الغريب من «راسل كونويل» في القرن التاسع عشر للثروة، عندما ألغت المحكمة العليا أحد القيود الأخيرة المتبقية على الأموال التي يمكن للمانحين الأثرياء إنفاقها على الحملات السياسية. وقبل الأسبوع الماضي، كان سقف المبلغ الذي يمكن أن ينفقه الفرد المتبرع بصورة مباشرة على الحملات الانتخابية هو 117 ألف دولار، واستناداً إلى اعتقاد المحكمة بأن «منح المال عبارة عن تعبير»، وليس للكونغرس الحق في تمرير قوانين تُقيّد «حرية التعبير»، فقد حكمت بوضع نهاية لهذه القيود على نفقات الحملات الانتخابية.
وبعد هذا الحكم الجديد للمحكمة العليا، من الممكن الآن للأفراد أن يمنحوا أكثر من 3,5 ملايين دولار للحملات ولجانها في دورة انتخابية واحدة.
ويتوج هذا الحكم قرار المحكمة في العام 2010، المتعلق بالقضية التي رفعتها منظمة «مواطنون متحدون»، الذي رفع فعلياً كل القيود على المبالغ التي يمكن أن ينفقها الأشخاص الأثرياء بصورة مستقلة للتأثير في نتائج الانتخابات. وعليه فقد استفاد الأثرياء من هذا الحكم، وأنفقوا بحرية مطلقة.
وفي العام 2012، تشير التقديرات إلى أن شبكة مترابطة من اللجان الانتخابية، التي تم تمويلها من قبل مجموعة واحدة هي «كوتش براذرز»، أنفقت ما يربو على 400 مليون دولار، دعماً لمرشحين جمهوريين.
وأنفق أيضاً شيلدون أديلسون، قطب الكازينوهات والمدافع عن السياسات الإسرائيلية المتعصبة الذي تقدر ثروته بما يربو على 38 مليار دولار، زهاء 90 مليون دولار دعماً لأعضاء الحزب الجمهوري.
وبصورة عامة، في انتخابات العام 2012، منح نحو 61 من كبار المانحين أموالاً للتأثير على نتائج الانتخابات أكثر من تلك الأموال التي دفعها نحو 3,7 ملايين من صغار المانحين، الذين أسهموا بصورة مباشرة في الحملتين الانتخابيتين لكل من أوباما ومنافسه السابق «ميت رومني».
وعليه، بفعل المحكمة العليا وقول «كونويل» المأثور «المال هو السلطة والنفوذ»، يمكننا الآن أن نضيف أن «كثرة المال تمنح المرء صوتاً أعلى»، وإضافة إلى قائمة الأشياء التي يمكن أن يشتريها المال – علاوة على الكتب الدينية ونفقات رجال البعثات الدينية – يمكن أن يشتري أيضاً الانتخابات.
وكان ذلك محط انتباه الأسبوع الماضي عندما دعا «أديلسون» جميع الجمهوريين الطامحين إلى خوض الانتخابات الرئاسية في العام 2016، لحضور الاجتماع السنوي للائتلاف اليهودي الجمهوري في «كازينو لاس فيغاس» الذي يملكه.
ووصفت الصحف الاجتماع بأنه «انتخابات أديلسون التمهيدية»، حيث خضع الحالمون الجمهوريون واحداً تلو الآخر لاختبارات المهارات في حضور أديلسون والسفير الإسرائيلي لدى واشنطن، أملاً في الفوز بالوصول إلى أعماق جيوب قطب المال لدعم حملاتهم الانتخابية.
وبالنظر إلى هذا المشهد، لا يسعني سوى أن أفكر في مقولة «راسل كونويل»: «المال هو السلطة والنفوذ».
وقد فكرت في كونويل مرة أخرى الأسبوع الجاري عندما أصدر رئيس لجنة الموازنة في مجلس النواب، «باول ريان»، أحدث مقترحاته بشأن الموازنة، والذي من شأنه تقليص النفقات الفيدرالية بأكثر من خمسة تريليونات دولار في غضون الأعوام العشرة المقبلة.
وبموجب مقترح «ريان»، سيتم أيضاً تخفيض الضرائب عن كاهل الأغنياء لتشجيع النمو الاقتصادي، إلى جانب خفض نفقات الرعاية الصحية وقسائم الغذاء وبرامج مكافحة الفقر الأخرى، بهدف وضع حد لـ«ثقافة الاعتماد على الغير»، والتشجيع على العمل الجاد.
أعتقد أن «راسل كونويل» كان سيبتسم لـ«صور غياب الشفقة» هذه، ويصفها بأنها صحيحة، كما كان سيبتسم حيال التنافس الجبان على المال والدور الذي بات يلعبه في سياستنا المعاصرة.

صحيفة السفير اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى