ذئب وغزال
الحرب منتج للحنين ايضا …ولكن الى الماضي
___________________________
لدينا في شارع الباكستان ـ دمشق محل لبيع الخمور اسمه “هاواي” وهو طبعاً ليس فيه من “هاواي” الامريكيه سوى الزجاجات المصفوفة الرشيقة كالكتب والإيقونات.
هذا المكان كلما ازداد خوفه من الضرب تحت الحزام، أي تكسير وتحطيم تمثال “ابي نواس” وزجاجات كحوله( الحارق،الثاقب ،المتفجر) كلما تنوعت بضاعته وتحسنت، وازداد لظى أسعارها، بدلاً من نشوة مرتكبيها.
وأيضاً كلما كان يوم الجمعة صاخباً بالقنابل وبصلوات الجماعة، كلما كان زبائن هاواي صامتين في الصف للحصول على ما يدعم البقاء الحلو في نهاية الأسبوع السعيدة.
في إحدى الدراسات المرتجلة عن ازدياد السكان في الحروب، بالتزامن والتوازي مع نقص عددهم بسبب الإقبال الشديد على محنة ومهنة الموت.. تبين هذه الدراسه الحاجة المتزايدة إلى الضم ، والاحتضان، والانتماء، واللجوء، والتفاعل، والتلاقي، والتلامس، والتهاجس، والتخدير، والألم، واللذة…. حتى المخيمات تتجاهل العفة الكاذبة، وحتى البراري تعلّم التائهين ،في متاهتهم ،اتجاه لحظة الحب.
وإحدى الدراسات المرتجلة عن تزايد الإقبال على الخمور والحشيش والحبوب المخدرة والمهلوسة…تقول: الإنسان الخائف، يقوم بتصنيع الشجاعة من بضعة أوهام، وقليل من عبقرية الكحول، مع الكثير من عدمية دخان يؤدي إلى غيبوبة العدو وغيابه…غياب التهديد .
زحمة هاواي لا تحتاج إلى دراسة، وكذلك الازدحام على ليالي الأنس في (فيينا ـ جرمانا) الملاهي. أما القسم الجمالي في زخرفة الدافع وتبريره ، فهذان البيتان :
ولائمتي… لمّا رأتني مكثراً من الشرب….إن الشرب يذهب باللّب
فقلت: كفّي اللوم…إني أعوض عما يشرب الحزن من قلبي.
الفنان الفلسطيني (الراحل بحريق مرسمه وهو يغفو على حلم) مصطفى الحلاج…كان دائماً يحكي الطرفة التالية، ولمئات المرات ،لانه ينسى انه حكاها في سهرة سابقه.
سألوا سكيرا:
أنت بتشرب ليه؟
فقال: عشان أنسى.
قالوا: بتنسى إيه؟
قال: أنا مش فاكر؟
ويضحك الحلاج كأنه اخترع اللغة، وليس النكتة.
وفي الحقيقة، بتأمل بسيط لسيرورة الشقاء الإنساني في منطقتنا، سنجد أن الانقسام إلى شارب خمر ومحرم خمر…لم يؤد إلى خلل جوهري في الطريق إلى الجحيم والجنة. ومن جهتي ، سأعفو، بالكثير من الرحمة، عن كلا الطرفين . إن البشرية تتعيش أيضاً، على أشياء كثيرة غير الطهارة، وربما تكون بعض الأمراض سبباً في عافية القسم الصالح للحياة.
مرة أرادت وزارة الغابات في سيبيريا أن تخفض عدد الذئاب لأنها تأكل الغزلان بغزارة متزايدة. فرح الصيادون وبدأوا مجزرة الذئاب، وبعد سنة تناقص عدد الغزلان بنسبة مرتفعة،بدل ان يتزايد، وبعد الدراسة تبين أن الغزال المعافى أسرع من أي ذئب، وأن المرضى في قطيع الغزلان هم القتلى.وبقاؤهم في القطيع خطر على سلامة اصحائه .
هذا أحد دروس الغابة. وفي وجه الشبه بيننا، سكان البيوت، وسكان الأشجار…إن سكان الغاية يعرفون دون كتب ما الذي يفعله الصقيع. في حين نحتاج إلى خمس سنوات حرب لنعرف أن الحرب تنقص أعداد الطرفين: الذئاب والغزلان.
سيكون، حتماً، من الممتع ألا نصل في هذه (المهنة ـ المحنة) – الحرب -إلى هذه الحالة الصينية، أيام الجوع والأفيون.
“كل ما يطير يؤكل…ما عدا الطائرة
وكل ما على أربع يؤكل…ما عدا الطاولة”.