ذاكرة الحروب

“من ذاكرة الحرب في احتلال بغداد…هذه الشهادة مكتوبة في 30 آذار/ مارس 2003 بنوع من الحسرة على حلم السلام في هذه المنطقة التي يشعل فيها النفط حرائق الحروب بدلاً من إضاءة مصابيح النور”.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أسوأ أنواع الثياب هي التي يفصّلها عراقيو الخارج لكي يلبسوها على أعتاب الوزارات… وهم يقلّدون بغداد أوسمة هزيمتها أمام المغول.

وأسوأ لحظة هي تلك الفاصلة بين كفنٍ مرتجلٍ وثوب مفصّل. بين تفقد الخراب، ونهاية الطريق إلى اختلاط الرماد بالدخان بالنصر بالهزيمة بالدم و…الماء .

أسوا كلام مطلوب من عراقيي الخارج هو إضمار الكلام. ذلك لأن الدبابة أبرامز والصاروخ كروز والطائرة إف… لا يمكن امتداحهما علناً إلا على يد الكلمات الحاقدة والغبية والذاهبة إلى جحيم تاريخها الشخصي. وفي الوقت نفسه، مطلوب من العرب جميعاً وليس فقط من العراقيين أن يمدوا إلى آلة الدمار يدا تؤمن للأمريكي عوناً وشرعية ، وطريقة في صنع الدول الحديثة، ومديحاً … أيضاً.

في الشوط الأول مسموح التفرّج على الفريق الخاسر. وفي الشوط الثاني مسموح التمتع وفصفصة الوقت الضائع. وفي الشوط الثالث يكون العرب جميعاً قد تعودوا على الإشاعة الدامية: بغداد… مدينة تحت القصف . وعندما نتعود جميعاً على ذلك… نصبح اختصاصيين في الفرجة على الدخان ناسين أن تحته بشراً يختنقون.

هكذا تمر أيام الحرب، فلا شيء يحدث في الحي الغربي. رغم الحساء الدموي الذي يغليه المواطن العربي في شرايين تحرسها الهراوات… لا شيء سوى الفرجة (ولنعترف بخساستنا)،

على المؤتمر الصحفي لهذا العقيد الأسود ، الناطق العسكري باسم التحالف ، أو ذاك العميد الأبيض ليخبرونا كيف يخطىء الصاروخ البريء فيقتل بدلاً من عشرة عساكر خمسين مدنياً. وليبرروا لأنفسهم سوء الأحوال الجوية. وليعوّدونا جميعاً أخيراً على الوجبة اليومية السامة .

من أين بدأت القصة في الحقيقة؟ وإلى أين ستمضي الشخصيات حاملة معها كفناً ووطناً؟

بدأت منذ أن تفرج الجميع على بيروت عام 1982 وهي تدوسها دبابات شارون… وانقسم المتفرجون إلى أغبياء وأغبياء، أحدهم يشمت بياسر عرفات، والثاني يعتقد أن مناحيم بيغن هو المخلّص.

بدأت القصة منذ أن أصبح الوطن الشخصي للنبي محمد هو المملكة العربية السعودية. فابتلع المسلمون،في سهولة، تغيير اسم مسقط رأس النبي… لأن الأوطان غدت أسماؤها مقرونة بالعائلات وبالصفات الشخصية للحاكم.

بدأت القصة منذ أن عرفنا أن المسجد الاقصى… لا يعني للعرب وللإسلام شيئاً بالمقارنة مع ما يدفعون لجوامع لندن ونيويورك وكابول… ولكنيسٍ يهودي دمره متطرفون يائسون .

بدأت القصة …منذ أن أصبحت القدس أغنية وطنية، وفلسطين ذاكرة قومية، والنصر على العدو هو الاحتيال عليه لتجميل هزائمنا .

بدأت القصة منذ أن تفرجنا على ما تفرجنا عليه، من محمد الدرّة في فلسطين إلى علي العويّد في كربلاء.

بدأت القصة، إذا أردتم الحقيقة، من عند القوس الذي أطلق سهماً في وجه الحسين بن علي ، في انقسام لا مثيل له في التاريخ، هو الانقسام الذي لا يكف العرب عن ارتكابه كلما هبّت رياحهم أو خمدت نيرانهم. أو جاءهم وحي من الولايات المتحدة.

بدأت القصة…
ربما من عند الشجرة التي اخترع تحتها الإنسان الأول كلاماً فارغاً لترتيل خوفه .

بدأت القصة…
ربما… من اختراع الثياب بدلاً من ورقة التوت .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى