شرفات

ذكرى الطيب تيزيني وجورج طرابيشي وجمال الأتاسي: 3 ــ الدكتور جمال الأتاسي

عماد نداف

أخذني بسيارته ليحكي عن حافظ الأسد خوفاً من أجهزة التنصت !

اتفقت مع الدكتور جمال الأتاسي أن نلتقي  في عيادته الشهيرة في السبع بحرات بدمشق لمتابعة حوار كنتُ قد بدأته معه في بيته على أوستراد المزة حول الحياة السياسية السورية والتجربة الناصرية، ذلك البيت الذي تحول إلى منتدى جمال الأتاسي المعارض لبشار الأسد وقد نشط بقوة قبل سنوات من اندلاع الثورة السورية عام 2011.

كنت أعرف مجموعة تفاصيل هامة عن شخصيته ، من بينها أنه بعثي تحول إلى الناصرية ، وأن الرئيس جمال عبد الناصر كان يثق به ، وأنه من مؤسسي الاتحاد الاشتراكي العربي في سورية ، وكان أهم المعطيات بالنسبة لي أنه تحالف مع حافظ الأسد في عام 1970 ثم عارضه وانسحب، وهذا يعني أن جعبته مليئة بأسرار الحركة السياسية السورية.

تعرفت عليه عن طريق الدكتور منير البيطار عام 1994 الذي أخذني إلى بيته في سهرة خاصة، وهناك تناولنا العشاء، وتحدثنا عن الصراع السياسي في سورية، واتفقت معه على متابعة الحديث ليكون وثيقة تاريخية سياسية وطنية ، وخاصة أنه الأمن العام للاتحاد الاشتراكي العربي في سورية  .

في عيادته تلك، تعرفت عليه من جديد  كطبيب نفسي يعالج المرضى النفسيين والمجانين، وهذا مافتح أمامي تساؤلات مثيرة عن أسلوب الممارسة السياسية في حياة محلل نفسي، وخاصة لأنني لم أدخل إلى مكتبه في العيادة إلا بعد أن انتهى من مريضين كانا ينتظران المعاينة مع ذويهما، وفي ساعة الانتظار تلك انتابتني مخاوف من فشلي في استدراج الدكتور جمال إلى تفاصيل لم يحكها من قبل، فقد كان يشاهدني في قاعة الانتظار وهو يدعو المرضى إلى الدخول ، ويعاملني كمريض ينتظر دوره ، فكيف سأنجح في الحوار وهو سيعرف مباشرة معنى أسئلتي وخلفياتها المفترض أن تكون غير عادية .

سألته وأنا أجلس: هل تتبع مدرسة التحليل النفسي في معالجة مرضاك؟ أنا أثق بنظرية فرويد !

لم يبال بسؤالي، فكلماته الأولى كانت عن جمال عبد الناصر وعن القومية العربية، لذلك تراجعت عن طريقتي واندمجت في استعادته دور عبد الناصر في الحياة السياسية العربية.

أنهيت الحلقة الأولى من الحديث ، وشعرت أنني نجحت في كسب ثقته ، فأنا لم أطرح الأسئلة الصحفية كما يجري عادة ، طرحتها كسياسي ومهتم ومطلع، فكسرت الحاجز بينه وبين آلة التسجيل، وأخذ يتحدث بصداقة وحب ، وهذه أفضل طريقة للنجاح في أي حوار صحفي كما تعلمت.

سجلت مع الدكتور جمال مجموعة أشرطة كاسيت في مواعيد متباعدة ، وامتد ذلك على مساحة زمنية تزيد عن ثلاثة أشهر، وكانت غنية ، ونشرت بعضها في صحافة الخليج العربي، وللتاريخ أقول إنني أرسلتها في البداية لصحيفة الحياة عبر الصديق إبراهيم حميدي مدير مكتب دمشق آنذاك، إلا أن رئيس التحرير جوزيف سماحة الذي يهتم عادة بما أرسله رفض نشرها، وأعتقد أن سبب الرفض هو إحساسه بأنني لم أنشر الهام في كلام الدكتور جمال نتيجة الخوف من السلطات الأمنية في سورية، وكان محقاً.

قبل أن أنتهي من جلسات الحوار، طرحت سؤالاً أجلته طويلاً، وهذا جعله يتحرك في مكتبه بقلق، سألته :

ــ كل المعارضين لحافظ الأسد سجنوا أو قتلوا ، وها أنت تعيش حياتك الطبيعية في عيادتك، لماذا، كيف يمكن أن أفهم طبيعة هذه المعاملة الاستثنائية معك !

وقلت لنفسي : ” هل سيكون سؤالي مستفزا له ؟” .

لم يكن في العيادة سكرتيرة تقدم لنا القهوة أو الشاي، كان وحيداُ، خرج من وراء الطاولة،  ورأيته وهو يتحرك بقلق، ثم قال بأسلوبه كطبيب أنهى معاينة مريضه :

ــ انهض. لا مشكلة .. هيا نخرج !

نهضت بعد إغلاق آلة التسجيل ، وقد فهمت أن علينا أن نخرجَ من العيادة، فأغلق باب المكتب وخرج معي،  ثم طلب أن أركب معه في سيارته، وهي صغيرة من نوع فوكس فاكن لاتوحي بأنه رجل ثري أو شخصية سياسية هامة .

عند باب السيارة أخبرني أن خوفه علي هو السبب في الخروج من العيادة لأنه لايضمن أن تكون الأجهزة الأمنية قد زرعت فيها أجهزة تنصت!

 

 

يتبع تتمة الحلقة الثالثة  عن الدكتور جمال الأتاسي

بوابة الشرق الأوسط الجديدة

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى