رابع خلاف أميركي – إسرائيلي يهدّد مستقبل أوباما (سليم نصار)

 

سليم نصار

الخلاف الاميركي – الاسرائيلي حول المفاوضات النووية الايرانية، استغله بنيامين نتنياهو بطريقة استفزازية أراد من خلالها تحدي الرئيس اوباما وتأليب الرأي العام ضده. ويرى المؤرخون أن مثل هذا التعارض القوي بين دولتين حليفتين يتكرر للمرة الرابعة منذ إعلان تأسيس دولة اسرائيل سنة 1947.
إنفجر الخلاف بين الرئيس جون كينيدي ورئيس وزراء اسرائيل ديفيد بن غوريون. وكان ذلك خلال لقائهما في البيت الأبيض، وإصرار الرئيس الاميركي على ضرورة إلغاء المشروع النووي الاسرائيلي في "ديمونا". وأنكر بن غوريون أن فرنسا تساعد بلاده على إقتحام المجال النووي، وإدعى ان "ديمونا" ليست أكثر من محطة لتجميع المياه الزراعية.
عندها أحرجه كينيدي بابلاغه أن وفداً من الخبراء سيقوم بزيارة اسرائيل للتأكد من صحة كلامه. وخرج بن غوريون من البيت الأبيض غاضباً، ليعلن أمام الوفد المرافق له: "من الصعب تحمل رئيس كاثوليكي في البيت الأبيض". وقد سجل هذه العبارة في مذكراته.
عقب إغتيال الرئيس كينيدي في مدينة دالاس (تكساس) أصدرت "لجنة وارن للتحقيق" سلسلة إحتمالات إتهمت فيها المافيا والـ "سي آي إي" وكوبا و"اف بي آي" وعشيق جاكلين اوناسيس، والأحزاب الشيوعية المتطرفة. وحيال هذا التشويش، إكتفت في النهاية بحصر التهمة بالمدعو لي هارفي اوزوالد، معتبرة أنه المسؤول الوحيد عن عملية الاغتيال.
هذا الشهر، وتزامناً مع تاريخ مقتل كينيدي المصادف 22 تشرين الثاني، صدر في الولايات المتحدة كتاب مثير للجدل عنوانه: الرجل الذي قتل كينيدي! وقد إستند المؤلف روجر ستون في إستنتاجاته الى مصادر موثوقة سبق وعرفها أثناء تنظيمه حملات مرشحي الرئاسة من جمهوريين وديموقراطيين. ولكنه حرص على إستخدام شهادة الرئيس نيكسون الذي ردد أمامه العبارة التالية: "أنا لا أنكر أنني كنت أطمح الى دخول البيت الأبيض. ولكنني لا أستخدم القتل وسيلة لتحقيق طموحاتي".
وبخلاف الـ 140 كتاباً الصادرة في الولايات المتحدة عن حادثة إغتيال كينيدي، أوحى المؤلف ستون للقراء بأن جهة غامضة هي التي إستفادت من عملية القتل. ومع أنه ذكر في معرض الاتهام: عشر جهات داخلية وخارجية، إلا أن عبارة الامتعاض التي كررها بن غوريون عقب إجتماعه بكينيدي، كانت بمثابة المؤشر للمستفيد من إلغاء رئيس أصرّ على إلغاء المشروع النووي الاسرائيلي. في حين أوصلت تلك الجريمة الى البيت الأبيض رئيساً صديقاً، متعاوناً، ساهمت سياسته المنحازة لاسرائيل بتأمين إحتلال ثلاث دول عربية في حرب 1967.
وقبل ذلك كانت حادثة الخلاف بين الحليفين، الاميركي والاسرائيلي، إنفجرت مرة ثانية عقب الاعتداء الثلاثي على مصر سنة 1956. يومها أمر الرئيس دوايت ايزنهاور بريطانيا وفرنسا واسرائيل بضرورة الانسحاب من سيناء تحت وطأة التهديد والوعيد. ومع أن اسرائيل أذعنت للقرار الاميركي مثلها مثل فرنسا وبريطانيا، إلا أنها إنتقمت من سيد البيت الأبيض من طريق خلق تجمع داخل الكونغرس يُربك سلطة الرئاسة. وهكذا ضمنت اسرائيل لتدخلها المتواصل في الشؤون الاميركية، بابين تلج منهما الى مراكز صنع القرار في الادارة والكونغرس.
الخلاف الثالث حصل بعد حرب 1973 وفي أعقاب الرحلات المكوكية التي قام بها وزير الخارجية الاميركية هنري كيسينجر لكل من دمشق وتل أبيب. وحدث أثناء المقابلة التي أجريتها مع الرئيس ريتشارد نيكسون في مكتبه في نيويورك، أن سألته عن الدور الحقيقي الذي قام به وزير خارجيته في سوريا. وعلى الفور طلب مني إقفال آلة التسجيل كأنه يتذكر المؤامرة التي حاكها كيسنيجر من أجل إجهاض مساعيه مع الرئيس حافظ الأسد.
في 16 حزيران (1974) قام نيكسون بزيارة دمشق يرافقه كيسنيجر. وإستقبلهما الأسد في مكتبه وراح يشرح لهما قبوله القرارين 242 و338 وإستعداده للسلام مع اسرائيل شريطة أن تنسحب الى حدود ما قبل حزيران 1967 وتعيد للفلسطينيين حقوقهم.
وفي كتابه عن حافظ الأسد، يبرز الكاتب والصحافي البريطاني باتريك سيل تلك اللحظات بكثير من الإسهاب والدقة. قال إن كيسينجر تدخل ليمنع تطور المحادثات الايجابية بين نيكسون والأسد، وراح يصرخ: سيدي الرئيس… إننا مضطرون للمغادرة الى اسرائيل. لقد داهمنا الوقت. إن الطائرة تنتظرنا. وعندما حاول نيكسون إستئناف الحديث، وجد نفسه يتعرض للمقاطعة من قبل وزير خارجيته. وإمتقع وجهه، وقال: يا هنري، ألا تريدني أن أتكلم؟ ولكن هنري لم يهتز، بل أجاب بلهجة ناعمة، دمثة، أن من الأفضل ترك معالجة هذه القضية الى حين عودتك الى واشنطن.
ولكن العودة الى واشنطن شهدت نهاية الرئيس الذي وقع إتفاق إنفراج العلاقات مع الاتحاد السوفياتي، وفتح أبواب بلاده على صين ماوتسي تونغ.
وفي مكتبه الواقع في عمارة "فيدرال بلازا" في نيويورك (رقم 1309) إستقبلني الرئيس المستقيل مع الزميل باسم المعلم، ليتحدث عن الفضيحة السياسية (ووترغيت). وأوحت كلماته في حينه (حزيران1983) أنه غير مقتنع بأن السبق الصحافي الذي أحرزه بوب وودورد وكارل برنشتاين في صحيفة "واشنطن بوست"، تنتهي مفاعيله على الساحة المحلية.
وفي تصوره أن تداعيات تلك الفضيحة ظهرت أعراضها في أزمة الشرق الأوسط، بحيث نسفت محادثات نيكسون-الأسد، ومنعت تحقيق الوعد الذي يضمن إنسحاب اسرائيل من الجولان. وبعد مرور أربعين سنة على تلك الفضيحة، ظهر في واشنطن موظف مسؤول في مكتب التحقيقات الفيدرالي (اف بي اي) يُدعى مارك فيلت، ليؤكد أنه الشخص الذي يقف وراء تلك الحادثة. وأعلن بحضور وودورد وبرنشتاين، أنه كان يلتقي بوب في مرآب للسيارات تحت الأرض، ليزوده بالمعلومات. ولكنه لم يكشف عن الجهة التي كلفته القيام بذلك الدور المريب. ثم تبين لاحقاً أن فيلت كان خيطاً في شبكة عنكبوتية واسعة تضم الجاسوس بولارد وغيرهما ممن يعملون لمصلحة اسرائيل.
للمرة الرابعة ينفجر الخلاف بين اسرائيل والولايات المتحدة، على خلفية الاتفاق المزمع توقيعه بين واشنطن وطهران. وقبل أن تنتهي المفاوضات في جنيف، توجهت رئيسة الوفد الاميركي ويندي شيرمن الى تل أبيب للاجتماع بنتنياهو وإطلاعه على تفاصيل المحادثات التي يشترك فيها ستة وزراء خارجية.
وإعترفت ويندي أن زيارتها السريعة لاسرائيل جاءت بطلب من الوزير جون كيري كمحاولة لتنفيس الغضب الذي عبّر عنه رئيس الوزراء أثناء إتصاله بقادة الكونغرس ورؤساء الدول الاوروبية. وترى الادارة الاميركية أن الرئيس اوباما تنبه الى خطورة الأفخاخ التي ينصبها له نتنياهو، بدليل أنه حذر الكونغرس من نتائج نسف الجهود الديبلوماسية الاميركية. ووصف اوباما الساعين الى إفشال المفاوضات بأنهم لا يتركون له أي خيار آخر سوى خيار إستخدام القوة العسكرية ضد برنامج ايران النووي.
وواضح من طبيعة التطمينات التي قدمتها واشنطن للدول الخليجية، أن تعاونها مع ايران – في حال نجحت المفاوضات – لا يختلف عن تعاونها مع الاتحاد السوفياتي السابق. أي الاعتراف بعداوتها وبدورها، مقابل تدخلها لحل الأزمات المشتركة. وترى دول مجلس التعاون الخليجي أن المكاسب التي ستجنيها طهران من وراء هذا الاتفاق أكثر بكثير من الفتات الذي تقدمه ايران. وهي تتساءل عن الوضع الذي سينشأ بعد ستة أشهر مثلاً، عندما يتبين للاميركيين بأن الايرانيين نفذوا شروط الصفقة، وأنه سيكون بالمستطاع رفع العقوبات بكاملها.
ويُستدَل من ردود فعل طهران، ان الرئيس حسن روحاني مصرّ على إنجاح المفاوضات مهما كلف الأمر. لذلك طلب من وزير الخارجية محمد ظريف الرد فوراً على تعليق جون كيري في الامارات العربية المتحدة، وقوله: "إن ايران لن تقبل الاتفاق".
ويرى المراقبون أن ايران، والدول المشاركة في محادثات جنيف، تريد التوصل الى إتفاق سريع يزيل عن الايرانيين كوابيس العقوبات الاقتصادية… ويبعد عن الدول الغربية خيار الحرب الوقائية. ومعنى هذا أنه لم يبقَ أمام اسرائيل من خيار آخر غير خيار شن الحرب، من دون حليفتها الكبرى.


صحيفة النهار اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى