ربط نزاع أميركي – تركي: رغبة التخلّص من إردوغان حاضرة
في الوقت الذي كان فيه وزير الخارجية التركي، مولود تشاووش أوغلو، يجري محادثات في واشنطن مع نظيره الأميركي، أنتوني بلينكن، كانت سهام «ذي إيكونوميست» البريطانية، تصوَّب على تركيا، إذ فردت المجلّة غلاف عددها الأخير بعنوان «تركيا على عتبة ديكتاتورية إردوغان». وما بين زيارة تشاووش أوغلو الأميركية، والحملة الغربية على الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، خيْط سميك يعود إلى ما قبل ستّ سنوات خَلت، عندما اتّهمت أنقرة، واشنطن ومعها بعض دول الخليج العربي بالوقوف وراء المحاولة الانقلابية الفاشلة، في 15 تموز 2016. لكن الشرخ الأكبر في العلاقات التركية – الأميركية كان قد بدأ يتّسع مع التبنّي الأميركي الكامل لـ«قوات حماية الشعب» الكردية بعد معركة عين العرب/ كوباني في تشرين الأوّل من عام 2014، ولا سيما بعدما أَطلق إردوغان تصريحه الشهير عن أن كوباني «على وشك السقوط»؛ وهي «البشارة» التي لم تتحقَّق، إذ نجح المقاتلون الأكراد – بدعمٍ أميركي – في التصدّي لهجمات مسلّحي «داعش».
لم يكن دعْم الأميركيين للقوات الكردية، والتي أصبحت في ما بعد «قوات سوريا الديموقراطية – قسد»، كرمى لمكافحة تنظيم «داعش»، بل محاولة لامتلاك «الورقة» الكردية لحسابات التأثير في المعادلة السورية الداخلية، كما في التوازنات الإقليمية.
«العداء» الأميركي لتركيا لم يتوقّف عند فشل الانقلاب العسكري، بل استمرّ لاحقاً في ظلّ الرئيس دونالد ترامب، الذي وصف إردوغان بـ«الأحمق»، وهدّد بتدمير الاقتصاد التركي إذا لم يُطلَق سراح القس أندرو برونسون الذي اعتُقل في عام 2016، بتهمة التورّط في محاولة الانقلاب، وهو ما جرى بالفعل بعد عامَين. وفي خلال الحملة الانتخابية، لم يبدّل جو بايدن، نائب الرئيس باراك أوباما إبّان محاولة الانقلاب، موقفه المعادي لإردوغان، إذ توعّد هو الآخر بـ«إسقاطه» في الانتخابات الرئاسية في عام 2023. ولم ينكث بايدن بوعوده بعدما فاز بالانتخابات الرئاسية الأميركية في خريف 2020، بل كان أوّل رئيس أميركي – منذ عقود – لم يَزر تركيا رسميّاً، فيما اقتصرت اللقاءات التي جمعته إلى إردوغان – بطلب من الأخير – على مناسبات دولية أو أطلسيّة.
على أن إفراد «إيكونوميست» لغلاف عددها الأخير للتصويب على إردوغان، يأتي في سياق محاولات الولايات المتحدة وأوساطها الأوروبية التخلُّص من إردوغان. وجاء الردّ على ما ورد في المجلّة البريطانية، على لسان الرئيس التركي نفسه، الذي قال: «هل يمكن مجلّة إنكليزية أن تُحدِّد مصير تركيا؟ إنَّ أُمتّي هي التي تحدّده. إنّ ما تقوله أُمتّي هو الذي تكون عليه تركيا». وفي الإطار نفسه، وصف الناطق الرسمي باسم الرئاسة، إبراهيم قالين، ما جاء في المجلّة بـ«الافتراءات التي تعوّدنا عليها في فترات الانتخابات، وهي ليست جديدة وستستمرّ، لكنهم سيخسرون من جديد». من جهته، قال مستشار رئيس الجمهورية، إسماعيل جسور، إن «الأمّة التركية ستقدّم في انتخابات 14 أيار المقبل، الجواب الضروري، وسترمي في سلّة المهملات إعلام الغرب المتغطرس». ولم تشذّ المعارضة عن النقد الشديد لعدد «إيكونوميست»، حيث اعتبر زعيم كتلة «حزب الشعب الجمهوري» في البرلمان، أوزغور أوزيل، أنه «لا الولايات المتحدة ولا الاتحاد الأوروبي ولا أيّ دولة يمكنها التدخُّل في الشأن التركي»، فيما قالت زعيمة «الحزب الجيّد»، مرال آقشينير، إن تركيا أمّة مستقلّة ولن تكون يوماً آلة للألاعيب القذرة لأيّ دولة. وفي الوقت نفسه، تحوّل وسْم «لنخرج من الأطلسي» الذي أَطلقه زعيم «حزب وطن»، دوغو بيرنيتشيك، إلى أكثر الوسوم تداولاً على مواقع التواصل الاجتماعي.
وفي صحيفة «صباح» الموالية لإردوغان، قال محمد علي برلاس إنه «في زمن الفتنة تنهال سهام الأعداء. وكلّها تصوَّب على إردوغان»، لافتاً إلى أن مجلّة «إيكونوميست أفردت من العداء والصفحات ضدّ إردوغان، ما لم تفرده لأزمات بريطانيا بعد انسحابها من الاتحاد الأوروبي، وما لم تفرده لمشاكل العائلة المالكة التي هزّت بريطانيا». ورأى أن «سبب هذه الحملة يعود إلى أن الغرب يتراجع ولا يجد حلّاً لأزماته، فيما تركيا تنمو وتتقدَّم». أمّا برهان الدين دوران، مدير مركز «سيتا» للدراسات، والمقرّب هو الآخر من الرئيس التركي، فكتب أن الإعلام الغربي بدأ، مع اقتراب الانتخابات الرئاسية، حملة «التخلُّص من إردوغان»، مشيراً إلى ما نشرته «إيكونوميست» التي خصّصت أيضاً، في عام 2017، عدداً تدعو فيه إلى مقاومة «ديكتاتورية» إردوغان، عشية الاستفتاء على النظام الرئاسي، بحسب الكاتب. ولفت هذا الأخير إلى أن الحملات الغربية على تركيا ورئيسها «تتزامن دائماً مع فترات الانتخابات، وتحرّض بالتساؤل عمّا يمكن فعْله في حال سقوط إردوغان»، مستشهداً، في هذا السياق، بمقالة لمستشار الأمن القومي الأميركي الأسبق، جون بولتون، في «وول ستريت جورنال»، وفيه جاء أنه «في حال فوز إردوغان بالرئاسة من جديد، يجب طرْد تركيا من حلف شمال الأطلسي وتقديم الدعم العلني للمعارضة». وهي حملات تفاقِم، بحسب دوران، «العداء للغرب لدى الناخب التركي، وتغذّي حجج تحالف الجمهور بين حزبَي العدالة والتنمية والحركة القومية في ما يتصل بالعلاقة مع الغرب»، كما تجعل من هذه الانتخابات «الأهمّ» في نظر الأتراك، كونها «الأخيرة» بنظر المعارضة لإنقاذ تركيا، بينما تراها السلطة بمثابة فرصة لتثبيت «المثال التركي».
وفي خضمّ هذه الحملة، التقى وزير الخارجية التركي، نظيره الأميركي في واشنطن، حيث أجريا محادثات غلب عليها – على ما ظهر من نتائج معلَنة – عدم التوصُّل إلى حلول حاسمة للعديد من القضايا. فالولايات المتحدة ربّما أصبحت ظاهريّاً على استعداد لتزويد تركيا بـ 40 طائرة مقاتلة من طراز «إف-16»، بشرط موافقتها على انضمام السويد وفنلندا إلى حلف «الناتو»، والتوقّف عن وضْع عراقيل جديدة تحول دون ذلك، وعدم استخدام هذه الطائرات لأغراض اعتراض نظيراتها اليونانية فوق بحر إيجه. ويقارن الإعلام التركي ما تقدَّم، مع تزويد الولايات المتحدة، اليونان بطائرات «إف-35» المتطوّرة جدّاً من دون قيد أو شرط. لكن صحيفة «جمهورييات» أشارت أيضاً إلى أن ما هو أكثر خطورة هو أن واشنطن تربط تسليم طائرات «إف-16»، بقبول أنقرة القيام بجهد مشترك جديد في سوريا، وهو ما اعترف به تشاووش أوغلو، ذلك أن التطبيع بين دمشق وأنقرة سيضطر الولايات المتحدة إلى الانسحاب من شمال شرق سوريا، وما سيستتبع ذلك من انهيار لـ«الكوريدور» الأميركي ونهاية مشروع دويلة «الاتحاد الديموقراطي» الكردي.
من جهته، كتب حسن بصري يالتشين، في «صباح»، إنه لا يمكن الحديث عن وجود نتائج محدَّدة للقاء الذي جمع تشاووش أوغلو وبلينكن، إذ إن تصريحات الجانبين قبل الاجتماع وبعده تعكس احتفاظ كلّ منهما بمواقفه. فالإدارة الأميركية تقول إنها تدعم بيع طائرات «إف-16»، «لكن أيّ جهد جدّي لم يحصل في الكونغرس الأميركي. المصادر غير الرسمية تشير إلى أن بيع الطائرات لتركيا يلائم المصالح الأميركية، لكن بايدن لا يمارس أيّ ضغوط جديّة على الكونغرس». وينقل الكاتب عن تشاووش أوغلو قوله للإدارة الأميركية: «نحن ندرك ما الذي تفعلونه. ومجرّد إحالة الموضوع على الكونغرس لا يغسل يديكم منه». ووفق يالتشين، فإن «تركيا لن تقف مكتوفة اليدين، بل ستفتّش عن مصادر أخرى للتزوّد بطائرات حديثة. وقد لمس الأميركيون نياتها عندما اشترت صواريخ إس-400. وحتى الآن، هم لا يصدّقون أنها اشترت هذه الصواريخ، ولا يزال هناك حمقى كثيرون في ما بينهم يعتقدون أن هذه الصواريخ لن تستخدم». ويسأل: «كيف يحصل ذلك؟ الجواب هو أن الأميركيين مصابون بمرض توحّد القوّة العظمى، ولذا لا يمكن للتركي أن يثق، ولو بمقدار ذرّة واحدة، بتصريحات الطرف الأميركي. وكان واضحاً أن الوزير تشاووش أوغلو لا يثق بالأميركيين عندما كان يتبسّم في ختام حديثه عن المفاوضات».
وليس الكاتب مراد يتكين أقلّ تشاؤماً، إذ قال إنه على رغم الحماسة التي ذهب بها تشاووش أوغلو إلى واشنطن، فهو عاد على ما يبدو إلى أنقرة من دون آمال، ولا سيما أن اللقاء انعقد في ظلّ انعدام ثقة بين الطرفَين. وبان جليّاً، بحسبه، أنه «لا مفرّ من الانتظار طويلاً لتحقيق نتائج معينة. فالولايات المتحدة التي تحاول منْع انفصال تركيا التامّ عن الغرب، تسعى أيضاً إلى أن تحافظ على علاقات مصلحيّة محدودة، وإن الطرفَين يسعيان إلى تواطؤ متبادَل من خلال تأجيل النتائج الحاسمة إلى ما بعد الانتخابات النيابية». ويختم بالقول إن «واشنطن تسعى إلى إبقاء تركيا في المعسكر الغربي، بينما تريد روسيا نجاح إردوغان في الانتخابات ليستمرّ معها».
صحيفة الأخبار اللبنانية