رجاء النقاش .. كيف عاين أزمة الثقافة المصرية؟

مقالات هذا الكتاب “في أزمة الثقافة المصرية” للناقد الراحل رجاء النقاش كتبت في منتصف حقبة الخمسينيات من القرن المنصرم؛ وهذه الحقبة كانت حافلة بالاحداث السياسية والثقافية والاجتماعية وأن معظم القضايا التي أشار اليها النقاش في مقالاته تلك مازال بعضها موضوع نقاش وجدال اجتماعي حتى اليوم.

واذا تتبعنا مواقف النقاش الفكرية الواردة في الكتاب فسوف نجده قد ظل مخلصا مدافعا عن هذه الأفكار ولم يتخل عنها فيما قدمه بعد ذلك من مقالات وكتب. ولكن هذا الثبات لم يدعه إلى تحجر الافكار أو الابتعاد عن التيار الثقافي والاجتماعي العام. بالاضافة الى منهجه الفكري الذي بدأت ملامحه تتجلى بوضوح في مجمل مقالات هذا الكتاب الذي بين أيدينا. هذا المنهج لم يتخل عنه رجاء النقاش طوال حياته.

يقول فكري النقاش في تقديمه للطبعة الجديدة من الكتاب وهي طبعة مصورة من الطبعة الأولى التي أصدرتها دار الآداب ببيروت بمقدمة سهيل ادريس عام 1958:

كتاب “في أزمة الثقافة المصرية” بين كتب الراحل رجاء النقاش – التي تربو على الأربعين كتاباً – له أهمية خاصة، وأول أسباب هذه الأهمية هو أنه كتابه الأول على الإطلاق، فقد صدر هذا الكتاب في يناير 1958، ولم يكن رجاء النقاش قد أتم عامه الرابع والعشرين بعد، وثاني هذه الأسباب أن مقالات هذا الكتاب قد كتبت بين أعوام 1955، 1957، وهذه الفترة لمن عاشها أو يعرفها كانت فترة مليئة بالأحداث السياسية والاجتماعية، وثالث هذه الأسباب هو الموضوعات التي يناقشها الكتاب. وليس أدل على ذلك من هجومه القوي العميق الموجه ضد التدخل الأميركي في شئون الثقافة العربية، والذي يرتدي اليوم ثياباً جديدة بأسماء جديدة وأسلحة أكثر قوة ودهاء.

والسبب الرابع من هذه الأسباب هو أننا إذا تتبعنا مواقف رجاء النقاش وقناعاته الفكرية الواردة في الكتاب فسوف نجده قد ظل وفياً لهذه الأفكار. وخامس هذه الأسباب ولعله أهمها على الإطلاق هو منهجه الفكري الذي بدأت ملامحه تتجلى بوضوح في مجمل مقالات الكتاب الذي بين أيدينا، كما أوضح الدكتور سهيل إدريس في مقدمته للكتاب، وأنا أضيف هنا إلى هذا المنهج تلك النزعة الأخلاقية والتي لم يتخل عنها رجاء النقاش طيلة حياته حتى في خضم معاركه العنيفة التي اضطر إلى خوضها مرات عديدة – وهي قليلة في مساره العام – ولكن لهذه المعارك شأن آخر يحتاج إلى دراسة ليس هنا مجالها.

ويضيف فكري النقاش: العجيب أن تجد شاباً لم يبلغ الرابعة والعشرين من عمره في منتصف خمسينيات القرن العشرين يدرك بوضوح أهمية الثقافة العربية وتاريخها وأعلامها، يدرك مدى حساسية العلاقة بين هذه الثقافة وبين الثقافة الغربية، ويدرك أيضاً طبيعة الإنتاج الثقافي للأجيال السابقة عليه والتي أعجب بها أيما إعجاب ولكنه لم يسمح أن تطمس هذه الأجيال العظيمة وإنتاجها الضخم، كما لم يسمح لبصيرته النقدية أن تغفل عن مواطن الضعف ومواطن القصور في إنتاج هذه الأجيال، فهو قد عرف بوضوح رؤية الظروف الاجتماعية والسياسية بل والشخصية التي خرجت منها هذه الأجيال وأخرجت لنا إنتاجها الفكري والثقافي الكبير إلى الوجود وإلى التأثير والفعالية، وهو يضع يده على ضرورة ارتباط الثقافة بحياة أكثرية الشعب الذي كان يعاني – ومازال إلى حد بعيد – من الأمية، ويدرك أيضاً خطورة أن تسقط الأدوات الإعلامية الجديدة – كالصحافة والإذاعة والسينما – في السطحية والبعد عن حقائق المشاكل التي يعاني منها المجتمع، وربما كان هذا الكتاب هو أول من أشار إلى منهج جديد ونمط شعري جديد كان قد بدأ في البزوغ والصعود أيامها فقد كان هو أول من أشار إلى اسم صلاح جاهين وفؤاد حداد في هذا الوقت المبكر عام 1956.

في العدد الذي أصدرته مجلة “الهلال” عن رجاء النقاش – قبل وفاته بعام- أجرى رئيس تحريرها حواراً مطولاً مع رجاء النقاش، وجاء في هذا الحوار على لسان رجاء ما يعني أنه يتمنى أن نهتم في مسار حياتنا بثقافة القرن العشرين في مصر، وتمنى أن تعاد دراسة هذه الثقافة بشكل عميق نظراً لأهميتها وأهمية أعلامها في كل مراحلها.

يذكر أن هذا الكتاب القيم وهو أول ما أصدره رجاء النقاش من كتب صدر ضمن سلسلة “ذاكرة الكتابة” التي تصدرها الهيئة العامة لقصور الثقافة بالقاهرة ويقع في نحو 136 صفحة من القطع الكبير.

ميدل ايست أونلاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى