رجال الدين عرابو الاحتلال (فاروق يوسف)


 
فاروق يوسف


 
لم تكن مصادفة أن يتعاون المتبحرون في مسائل فقه الحلال والحرام في العراق مع المحتل الاميركي. كان كل شيء مبيتا ومخططا له في سياق تبادل المصالح الحيوية بين الطرفين اللذين يدرك كل طرف منهما عمق وقوة حاجته إلى الطرف الثاني.
كان المحتل الاميركي قد هيأ قبل الغزو طاقما من السياسيين المعارضين ليشكل بهم في ما بعد ما سمي بمجلس الحكم الذي كان لسان سلطة الاحتلال المحلي.
كان من بين أفراد ذلك الطاقم رجال دين سنة وشيعة. بل أن زعيم المجلس الاسلامي الاعلى القادم من ايران وزعيم حزب الدعوة، وهما حزبان شيعيان وزعيم الحزب الاسلامي (الاخوان المسلمين) كانوا حاضرين بقوة في ذلك المجلس، الذي لم يكن سوى واجهة صورية فيما كان بريمير، رئيس سلطة الاحتلال يشعر بمتعة ممزوجة بالاحتقار وهو يحرك بيادق الشطرنج تلك.
كان المحتل قد خطط في وقت مبكر أن تحل السلطة الدينية محل السلطة المدنية في العراق الجديد الذي حل محل العراق التاريخي. وكان ذلك القرار موضع ترحيب من قبل الكثير من المرجعيات الدينية، التي لم تكن تنظر بعين الرضا إلى وجود مجتمع مدني مستقل وغير خاضع لها.
كانت هناك استثناءات قليلة، استطاعت المؤسسة الدينية اما أن تشوه سيرتها وتعزلها مثلما حدث لحارث الضاري أو أن تحتويها في سياق اللعبة السياسية، بعد أن مارس المحتل الاميركي دوره في ضربها ومن ثم استعمالها في قتل العراقيين أثناء الحرب الاهلية كما حدث لمقتدى الصدر.
لقد لعبت المؤسسة دورا قذرا في تطبيع الاحتلال. وقد تكون دعوتها العراقيين إلى المشاركة في الاقتراع على الدستور، الذي كُتب من أجل تكريس نظام الطائفية السياسية واحدة من أهم فقرات ذلك الدور.
كان رجال الدين، سنة وشيعة متفقين على توظيف الاحتلال لخدمة مصالحهم المشتركة، بالرغم من اختلافاتهم الفقهية، وهي اختلافات لم تكن لتؤثر على اتفاقهم على تحريم مبدأ المواطنة ودولة القانون والمجتمع المدني وحقوق الإنسان والحريات الشخصية وبالأخص ما يتعلق منها بالمرأة.
كانت كذبة الديمقراطية شعارا متفقا عليه بين المحتل والمؤسسة الدينية لتمرير مشروع تبناه الغرب منذ الخمسينات صورة لمستقبل البلاد العربية. كانت بروفة العراق تمهيدا لما شهدته مصر بعد سنوات، حين أظهر الغرب حماسة استثنائية لصعود جماعة الاخوان المسلمين إلى السلطة في مصر.
لم يكن مفاجئا أن تنحاز المؤسسة الدينية إلى الديمقراطية، وهي التي كانت تعتبرها دائما خيارا غربيا، يناقض مبدأ الشورى، وهو المبدأ القرآني الذي كانت تلك المؤسسة تنادي به وتعتبره المبدأ الشرعي الوحيد الذي يصلح لإدارة شؤون الرعية وتصريف أحوالها.
كان هناك اتفاق مسبق على أن تلك الديمقراطية لن تكون سوى سوى الباب الملغوم الذي سينتقل المجتمع من خلاله إلى الفوضى (الخلاقة) وهي الفوضى التي ستسمح للمؤسسة الدينية بالاستقواء بفتاوى العزل الديني الذي ستجد لها في كتب الماضي المريض بطائفتيه سندا قويا لها.

لقد سمح المحتل بالتعددية الطائفية ولم يلتفت إلى التعددية السياسية.
وهو ما انتج نظاما سياسيا يدعي تمثيل الاغلبية الطائفية، من غير أن يكترث أحد بمفهوم الأغلبية السياسية. وهو نظام لا يملك أي مشروع لتحديث وتطوير وسائل وبنى العيش في مجتمع تعددي، خرج فجأة من حقبة الاستبداد المطلق إلى حقبة ستكون الفوضى طريقها إلى المستقبل.
كان رجل الدين في العراق عرابي احتلال دمر بلدا وشرد شعبا وحطم قيما أخلاقية، من الصعب استعادتها. وهو الدور الطبيعي نفسه الذي يلعبه رجال الدين في كل مكان يسمح لهم الظرف التاريخي فيه في السيطرة على المجتمع في ظل حماية أجنبية.

ميدل ايست أونلاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى