رحلة تطوير العبوات: مقاومة الضفة أكثر إيذاءً للعدو
كل ما كُتب، في الأشهر الأخيرة، عن تطوّر قدرات مقاومة الضفة الغربية، وتصنيع العبوات الناسفة، وإعداد الكمائن، يبدو صغيراً جداً أمام مقطع مصوّر مدّته ثوانٍ معدودة، يُظهر اللحظة التي طارت فيها مصفّحة «بوز النمر» في الهواء، وانقلبت على ظهرها بفعل انفجار عبوة ناسفة.
هذا المشهد الذي يجسّد مقولة «الشوف مش مثل الحكي»، والذي سمحت بنشره «كتيبة طولكرم». يرصد الكمين الذي وقعت فيه آليات الاحتلال في مخيم نور شمس في محافظة طولكرم. وأسفر عن مقتل جندي وإصابة ضابط من «وحدة المستعربين» بجروح خطيرة. كما أنه يعدّ دليلاً إضافيّاً على التطوّر الحاصل في قدرات المقاومة وعملها. وخصوصاً أنه يأتي بعد أيام فقط من تفجير عبوة ناسفة ضخمة أخرى، بمدرّعة «النمر» أيضاً. إنما في جنين، ما تسبّب بمقتل ضابط وإصابة 16 جندياً وضابطاً. والظاهر أن تلك التطورات تفتح على مرحلة جديدة من عمل المقاومة،. استناداً إلى تجربة ثلاثة أعوام على الأقل من التصنيع والتجريب والتطوير في إعداد العبوات الناسفة، وجعلها أكثر تأثيراً وقوّة أيضا. حتى باتت تشكّل قلقاً مزمناً للمؤسسة الأمنية الإسرائيلية.
وتستند المقاومة في الضفة إلى إرث عريق في هذا المجال؛ فأثناء «انتفاضة الأقصى» وقبلها، أتقنت تلك الصناعة بشكل كبير. وهو ما كان يلمس في مئات العمليات الفدائية التي نفّذت عبر تفخيخ المركبات والمنازل وزراعة العبوات الناسفة على الطرق أيضا. لكن الاعتماد عليها قلّ كثيراً بعد عام 2005 في ظلّ حالة احتواء المقاومة وتجفيفها بعد انتهاء الانتفاضة. وفي عام 2016، أصيب ضابط إسرائيلي بجروح خطيرة، بعد انفجار 5 عبوات ناسفة على حاجز حزما. ولاحقاً، في عام 2018، اكتشفت الأجهزة الأمنية الفلسطينية 13 عبوة مزروعة قرب بلدة علار في محافظة طولكرم على شارع تسكله آليات الاحتلال، وفكّكتها. إضافة إلى العثور على 40 عبوة كانت مخبأة في منطقة قريبة.
رحلة تطوير العبوات: مقاومة الضفة أكثر إيذاءً للعدو
ثم جاءت عملية عين بوبين في عام 2019، لتسجّل تقدُّماً في صناعة العبوات الناسفة، بعد تفجير واحدة منها في عين الماء التي حولها المستوطنون إلى منتزه طبيعي، ما أدى إلى مقتل مجندة وإصابة آخرين. لكن، يمكن القول إن عام 2021، وتحديداً بعد عملية «نفق الحرية»، كان بمثابة «عام البعث من تحت الرماد» للمقاومة، ولا سيما في مخيم جنين، حيث تفجّر الاشتباك، وانتقل إلى أنحاء الضفة الغربية كافة، ومعه ازدهرت صناعة العبوات الناسفة.
وإذا كانت العبوات، قبل ذلك التاريخ، تصنع بمبادرات فردية من بعض المقاومين، فهي باتت، اعتباراً من عام 2021، تصنع بشكل أكثر تنظيماً ودقّة، وسط بذل جهود دائمة لتطوير فاعليتها، سواء من ناحية حجمها، أو مواد تصنيعها وكيفية زرعها واستخدامها، وهو ما انعكس بتحويلها إلى سلاح أساسي في المواجهة مع كل اقتحام واجتياح. وظلّت العبوات في المخيمات ذات تأثير محدود على آليات الاحتلال، نظراً إلى فعاليتها المتدنية، حتى تاريخ نصب الكمين في مخيم جنين، في 19 حزيران 2023، حين انفجرت عبوة متفجرة تزن نحو 40 كيلوغراماً بمدرعة «النمر»، وأصيب على إثر ذلك ستة من جنود الاحتلال بجروح، فيما لحق بالمدرعة ضرر كبير.
خبرة التصنيع تنتشر في مخيمات بلاطة ومخيمَي طولكرم ونور شمس.
ودقّت تلك العملية جرس الإنذار لدى المستويات الأمنية الإسرائيلية إزاء خطورة العبوات الناسفة، ودفعت الجيش الإسرائيلي إلى تكثيف استخدام الآليات المصفّحة في الاقتحامات. وفي المقابل، تناقلت مجموعات المقاومة خبرة التصنيع، لتنتشر في مخيمات بلاطة شرقي نابلس، ومخيمَي طولكرم ونور شمس في محافظة طولكرم، وتبدأ آليات الاحتلال تواجه صعوبةً أكبر في اقتحام أزقة المخيمات. ووفقاً لما يظهر في بعض المقاطع المصوّرة، تعتمد المقاومة على أدوات بسيطة لصناعة العبوات، من مثل أنابيب الغاز، وأسطوانات الأكسجين والمواسير الحديدية، والتي يتمّ حشوها بالبارود والمواد السريعة الانفجار، وتضاف إلى بعضها المسامير أو الأدوات الحادة لإحداث أكبر ضرر أثناء التفجير، وأيضاً توصيلها بأسلاك وصواعق كهربائية، لتفجّر عن بعد.
وبعد عام على كمين الشهيد تامر النشرتي في مخيم جنين، باتت المصادر الأمنية ووسائل الإعلام الإسرائيلية تعترف بتطوّر العبوات الناسفة وضررها على القوات المقتحمة، حيث ذكرت صحيفة «يديعوت أحرنوت»، عقب عملية نور شمس، أن «قيادة المنطقة الوسطى وفرقة الضفة الغربية تضربان رأسيهما بالحائط بحثاً عن حلول لتهديدات العبوات الناسفة في مخيمات الضفة الغربية. هذا التحدّي أدى إلى مقتل جنديين بفارق أيام في مخيمَي جنين ونور شمس».
تحذيرات دائمة من العبوات الناسفة القاتلة في الضفة الغربية،
وأشارت الصحيفة إلى أن «هذه التفجيرات. دفعت قيادة المنطقة الوسطى في الجيش الإسرائيلي إلى التفكير في كيفية العمل على مكافحة الإرهاب في قلب مخيمات الضفة». وبما لا يؤدي إلى كسر المعادلة، ويصعّب على الجيش العمل في داخلها. ونقلت عن جهات أمنية قولها. إن هناك تحذيرات دائمة من العبوات الناسفة القاتلة في الضفة الغربية.كما ومن سلاح إيراني قد يغيّر المعادلة برمّتها. لافتة إلى استمرار طهران في محاولتها تهريب السلاح والعتاد لتطوير العمل العسكري هناك. وهو ما يترجم بعمليات التهريب المستمرة بين الأردن والضفة.
ومن جهته، قال جيش الاحتلال. إنه يقوم «بحملة شاملة ضدّ المتفجرات، بدءاً من محاولة وضع يده على تهريب المتفجرات والمواد الأولية. وصولاً إلى اعتقال خبراء المعرفة ومشغّلي المتفجرات ومَن يزرعونها في محاور الضفة الغربية». وسلطت قناة «كان»، بدورها، بعد عملية نور شمس، الضوء على العبوات الناسفة في الضفة. مؤكدة أن خطورتها ازدادت في المدة الماضية. وأنها باتت تستخدم في كل اقتحام لجنين أو طولكرم. لافتة. إلى أنها «تحوي أحياناً عشرات الكيلوغرامات من المواد المتفجرة التي يجري تشغيلها عن بعد، بينما يقوم المقاومون بزرعها تحت طبقة الإسفلت في الشوارع».
وأضافت «كان». أن جيش الاحتلال يستعين بجرافات مصفحة، كـ«دي 9». لتجريف الشوارع قبل اقتحام الآليات الأخرى، وذلك حتى تنفجر هذه العبوات بالجرافات. ولكن هذا لا يكفي أحياناً. إذ يستخدم المقاومون طرقاً أكثر تطوّراً لزرع المتفجرات، ما يسبّب صعوبة في اكتشافها وإبطال مفعولها قبل وصول الآليات التي تحمل الجنود.
صحيفة الاخبار اللبنانية