رداً على حوار البعثة الروسية بجنيف : سورية لم ينشئها غورو !! و السوريون لا يقبلون إلا دولة الإرتقاء الشامل
تداول الإعلام المتابع للشأن السوري في الأيام الماضية خبراً يحمل معاني مصيرية، ولابد من الوقوف عند جوهره و أساسه. هذا الخبر هو حول إجتماع عقده معارضون سوريون مع البعثة الروسية الدائمة إلى الأمم المتحدة في جنيف. و ركز الخبرعلى طائفة هذه الشخصيات (العلوية)، و قيل أن هذا الإجتماع محاولة روسية لتوسيع ما بدأته الدبلوماسية الروسية بـ ( مؤتمر الحوار الوطني ) السوري الذي عقد في سوتشي العام 2018 ، وبهدف الوصول إلى ( حوار سوري وطني ) أوسع وأجدى على طريق الحل السياسي. و إذا تجاوزنا التركيز على ( علوية) الطرف المعارض المحاور، الذي هاجم ( النظام) من زاوية علوية ، حيث أكدوا أنهم يعتبرون أنفسهم ( سوريين أولاً) و يفخرون بثقافتهم الفرعية وإيمانهم المحب، مطالبين بضرورة التوصل إلى عقد إجتماعي بين أطياف المجتمع السوري، وإلى الحاجة إلى ( دولة مركزية موحدة) مع لامركزية تعطي المناطق والأقاليم حكماً ذاتياً بشكل ما. و ادعى المتحدث بإسم هؤلاء المعارضين أن ( سورية تاريخياً، هي إتحاد للبلاد السورية. و قد تم إنجاز الدولة بإتحاد الدول المشكلة وهي : حكومة اللاذقية، دولة حلب، ودولة دمشق والوضع الخاص لجبل الدروز، ومتصرفية الفرات، وتم التحالف بينهم. و أعطي الثقل لدمشق, و هو ميثاق وطني غير معلن ) . . . و اعتبر هذا المتحدث، أنه عبر ( التفويض الأقاليمي) أعطي لدمشق دور المركز …وكما فهم من محضر الإجتماع ، طالب المعارضون بالرجوع إلى هذه الآلية واستعادتها كأساس للحل السياسي، عبر إتحاد أقاليم، مع تفويض للمركز ينتج دولة مركزية، مع أقاليم بحكم لامركزي.
نسي أصحاب هذا الطرح, أن الدول أو الأقاليم التي تحدثوا عنها كانت بدعة إستعمارية نفذها الجنرال غورو، تقليداً لخبرته الإستعمارية في مناطق أفريقية قبائلية لا تعرف الدولة ، بينما سورية، كدولة واحدة يعود تاريخها إلى ألاف السنين، ولا داعي لتعداد الامبراطوريات التي كانت سورية أساسها . وإذا لم نرد الإستغراق بالتاريخ، فمن المفيد العودة إلى الوفد السوري، الذي حمل مطالب الشعب السوري إلى لجنة ( كينغ- كراين) التي أرسلها الرئيس الأميركي أندرو ويلسون للوقوف على مطالب الشعب السوري، وهي المطالب التي أقرها مجلس الشورى الممثل للشعب كله. وكان أساس هذه المطالب الإصرار على دولة سورية مستقلة ذات سيادة وتتمتع بنظام مدني علماني رافض لأي وصاية أو انتداب.. أبداً لم يكن هناك أي حديث بإسم مناطق أو طوائف أو أقاليم. الحديث كان عن الشعب السوري الواحد بتنوعه. المطالب بدولته المدنية العلمانية الديمقراطية ذات السيادة والإستقلال. والجنرال غورو عندما دخل، حاول تقسيم البلد، و أصطنع دولاً لم تلبث أن فشلت وسقطت بسرعة بفعل الإصرار الشعبي على الدولة السورية الواحدة العريقة وعلى الشعب السوري الواحد الغني و المبدع و الحضاري..
هكذا ببساطة، و نتيجة ما نشر عن هذا الإجتماع، نجد أننا أمام مجموعة تريد أن تردنا إلى ( حل غورو) و تعيدنا إلى إعتماد خطة غورو الإستعمارية التي حاولت تمزيقنا إلى دول طائفية غريبة عنا وعن طوائفنا بينما يسعى السوريون إلى إنجاز حل يحقق الإرتقاء السياسي الشامل، ويوفر مشاركة سياسية شاملة واسعة، تجعل العدالة والقانون والمواطنة أساس الإجتماع السوري العريق والمتجدد.
و كثير من السوريين استغربوا رعاية روسيا لحوار يقوم على إستراتيجية الإرتداد إلى عنصرية و إستعمارية وجهل الجنرال غورو الذي أسقطه الشعب السوري في العشرينيات من القرن العشرين. فكيف يمكن أن يقبله، أو يقبل نقاشه، في العشرية الثالثة من القرن العشرين. الشعب السوري لا يمكن أن يقبل الإرتداد إلى حل غورو بديلاً عن الإرتقاء السياسي الشامل المنسجم مع الهوية الوطنية الحضارية الجامعة… سورية لم ينشئها غورو، والسوريون أسقطوه بسرعة. وهذه الخلاصة مهداة للروس لتساعدهم في سعيهم لتوسيع الحوار الوطني السوري !
باب الشرق