رسائل لم تصل بوضوح إلى ديمستورا !

يصب الاعلام اهتمامه على مسائل إجرائية تتعلق بالحوار بين الأطراف السياسية والمسلحة في المجتمع السوري، فتذهب المعارضة إلى منصب منصب الرئاسة، وتذهب داعش إلى إحراق البلاد بمن فيها، ويذهب العالم للدفاع عن نفسه ضد الارهاب، وتذهب الحكومة إلى حل المشاكل الاقتصادية، لكن الوجهة الهامة التي يرتكز إليها سعي السوريين هي ليست في الشرق ولا في الغرب، إنما هي في شكل الحياة المعروفة بالتنوع في سورية، وكيف سيعود هذا الشكل، وماهي مقومات عودته ..

وعندما ندقق في كل نقطة من نقاط الخلاف في جنيف، نجد أن هذه النقطة تعيدنا إلى البداية، والبداية هي شكل العقد الاجتماعي ومقومات نجاحه، فعندما اغتيل سارية حسون ، مقابل 700 جنيه استرليني كما قال أبوه المفتي العامة لسورية أحمد بدر الدين حسون للصحفي البريطاني روبرت فيسك في الاندبندنت عام 2013، أطلق هذا المفتي صرخة ذات معنى عنوانها ((بناء الانسان))، من خلال قوله : إن ((لتاريخ شهد بناء العديد من الكنائس والمساجد لكن لنقم ببناء الإنسان، ودعونا نكف عن لغة القتل، ألم تكلفنا هذه الحرب الكثير؟”.))

وكان رئيس الجبهة الشعبية للتغيير و التحرير الدكتور قدري جميل قد دعا السوريين عام 2012 إلى الاعتصام أمام مجلس الشعب للمطالبة بإلغاء المادة الثالثة من مشروع الدستور الجديد، الذي كان عضوا في لجنة صياغته، وتنص هذه المادة على أن دين رئيس الجمهورية الإسلام، وبطبيعة الحال لم يفده الاعتصام بشيء وإن كان جديدا على العاصمة دمشق!

وتعود هذه المسألة اليوم إلى الواجهة مع كل حديث عن حل للأزمة السورية، فجذر المشكلة هو الخوف من جر البلاد إلى فتن متتالية على أرضية تفجير التناقضات بين أطياف المجتمع السوري، التي دفعت أحد مرشحي مجلس الشعب الحاليين ، وكان إلى جانبه وزير الأوقاف السوري إلى الحديث عن مطلبين ((أولهما يخص المادة الثالثة في الدستور حول دين رئيس الدولة التي فرضتها جماعة الإخوان المسلمين منذ خمسينات القرن الماضي والتي تتعارض مع بند “المواطنون متساوون في الحقوق والواجبات” واستبدالها ببند يقول: “على رئيس الدولة أن يكون مؤمنا بالله تعالى” كون الإيمان أرفع منزلة من التدين.. والإقتراح الثاني باستبدال منهاج التربية الدينية بآخر يعرف بكل المذاهب والأديان في سورية لكي يتعرف السوريون على ثقافات بعضهم بشكل صحيح..))

ماذا تعني هذه التفاصيل؟!

في رسالة مفصلة إلى ستيفان دي مستورا نائب الأمين العام للأمم المتحدة ، نشرت في صحيفة النور التي لايمكن أن يكون قرأها السيد ديمستورا، كما هو متوقع، دعا المثقف السوري صريح البني إلى قراءة المجتمع السوري، وإلى بناء علمانية كاملة فالعلمانية ، كما يرى : ((تساعد في توطيد الديمقراطية))، وهذا ربط ليس شكليا بل هو يؤسس لعقد اجتماعي قوي .. والعلمانية كما يوضح في رسالته عن تجربته ((هي خيار تاريخي لخمسة أجيال من أسرتي، دفعنا أثمانا لهاـ ولسنا آسفين على ذلك . عانت عشرات ألوف الأسر السورية ، كأسرتي، الكثير من المتطرفين دينيا، وجابهتهم عقودا طويلة، وهي متمسكة بالعلمانية ، وتعتز بأنها ساهمت في منع تحول سورية إلى دولة ذات هوية إسلامية وسط مجموعة كبيرة من الدول الدينية ، أو التي تنتشر فيها الطائفية وتحيط بنا من الجهات الأربع )) ، وقال صريح البني:

(( أقدر رغبة السيد ديمستورا في إيجاد نقاط مشتركة بين السوريين، خلال الحوار الصعب الذي يديره في جنيف، لكني أعتقد أن العلمانية السورية المحدودة التي نمارس واقعيا لن تتعرض للتضييق، فهي أقل بكثير مما تحتاج إليه سورية ومنطقتنا لمجابهة ناجعة مع التطرف الديني وبيئته الحاضنة)) .

وطرح سؤالا مهما عن آلية العمل المطلوبة الآن، فماذا يمكن فعله، بعد أن ظهرت دولة الخلافة (داعش) بوصفها الشكل الحقيقي الأبرز للدولة الاسلامية المحتملة؟ إضافة إلى ممارسات سياسية في جوارنا (( هل يقصد العراق ؟)) يغلب عليها اللون الإسلامي المذهبي السياسي بحيث يطبع الدولة والمجتمع، ويكاد تختفي فيها حركات سياسية مدنية فاعلة، ويجيب:

(( علينا أن نتحلى بالكثير من اليقظة والحذر ، ذلك أن أية دولة ، ذات طابع ديني ، ستحمل شيئا قليلا أو كثيرا من مواصفات دولة الخلافة المزعومة . نزعة صراعية مع الآخر لإلغائه . رفض لأي حق من حقوق الانسان ، وتدمير المعالم الحقيقية، إذلال أكبر للمرأة من قبل رجال مرضى ..)) ..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى