«رسالة للغرب في ذكرى الانقلاب»: إجماع داخلي على صفقة «إس 400»
قال الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في لقاء مع مجموعة من الصحافيين نهاية الأسبوع الماضي، إن اتفاقية «إس 400» أهم اتفاقية في تاريخ تركيا، فيما دافع عنها كمال كيليتشدار أوغلو، زعيم حزب «الشعب الجمهوري» المعارض.
بهذه الصفقة، تكون تركيا رابع بلد في العالم يمتلك تلك المنظومة، بعد كلّ من البلد المنتج روسيا والصين وبيلاروسيا. ولكنها البلد الأول الذي يجمع بين منظومة «إس 400» الروسية ومنظومة «باتريوت» الأميركية. وهو ما دعا مسؤولاً في حلف «شماليّ الأطلسي» إلى القول إن «الحلف يشعر بالقلق من النتائج المحتملة الناتجة من قرار تركيا شراء منظومة إس 400».
لم يكن السجال الداخلي التركي على مبدأ شراء الصواريخ، بل على بعض المحاذير التي يمكن أن تنتج منه. التخوف الأول أن تردّ الولايات المتحدة على الصفقة بمنع تسليم طائرات «أف 35» الهجومية المتطورة التي اتفقت تركيا على شراء بعضها، ودفعت حتى الآن ملياراً و400 مليون دولار مقابل ذلك. وبوادر هذا المنع وقف تدريب الطيارين الأتراك عليها، وإعادة من هم تحت التدريب إلى تركيا. كان ردّ فعل حزب «الشعب الجمهوري» المعارض معتدلة عموماً. تساءل الناطق باسم الحزب، فائق أوزتراك، عمّا إذا كانت صفقة «إس 400» ستؤثر في شراء «أف 35» من الولايات المتحدة. وقال إن هناك بعض الجوانب الغامضة التي تحتاج إلى توضيح. الصحافة التركية المعارضة لم تكن سلبية في النظر إلى الصفقة، بل كان بعضها يكيل النقد للغرب رداً على قرارات أوروبية أو أميركية بفرض عقوبات أو رفع حظر توريد الأسلحة إلى جمهورية قبرص اليونانية للمرة الأولى منذ فرضه قبل 32 عاماً.
«إنها خطوة مهمة في معركة الاستقلال والمستقبل»، يكتب يوسف قبلان في جريدة «يني شفق» المؤيدة لحزب «العدالة والتنمية». ويقول إنها خطوة في رحلة الألف ميل التي يجب أن تنتهي بتصنيع تركيا لهذه المنظومات. بل يرى أن توقيت التسليم عشية الذكرى الثالثة لمحاولة الانقلاب العسكري في 15 تموز 2016 «رسالة في غاية الأهمية للغرب الذي وقف وراء المحاولة»، بل هي أيضاً «رسالة لكل الخونة الذين شاركوا في الانقلاب». لكن قبلان نفسه يدعو إلى الحذر من الارتهان لروسيا، وأن تحرص تركيا على ألّا تبادر إلى خطوات تكبّل يديها في العلاقة مع «روسيا التي تقع بدورها تحت تأثير اللوبي اليهودي العالمي». ودعا الكاتب إلى أن تتبع تركيا «سياسة متوازنة بين الغرب وروسيا»، وأن تكون سياستها الخارجية «متعددة الخيارات ومتحررة من الارتباط» بهذا الطرف أو ذاك.
ورأى مصطفى قره علي أوغلو، رئيس تحرير صحيفة «قرار» المقربة من رئيس الحكومة السابق أحمد داود أوغلو، أن قرار شراء «إس 400» «قرار دبلوماسي وعسكري مهم وشجاع وحازم»، وهو «هزيمة لحلف شماليّ الأطلسي والاتحاد الأوروبي». وتوقع قره علي أوغلو ردّ فعل غربياً يراوح في حده الأدنى بين عقوبات اقتصادية خفيفة، وفي حده الأقصى استبعاد تركيا، لفترة محدودة، من مشروع إنتاج طائرات «أف 35». ودعا إلى مواجهة أي عقوبات اقتصادية من الآن للحيلولة دون تأثيرها، ودعا أيضاً إلى عدم الوثوق بالرئيس الأميركي، دونالد ترامب، وقوله إنه لن يفرض عقوبات اقتصادية على تركيا. وتوقع الكاتب ألّا يكون ردّ فعل «الأطلسي» قوياً، وهو «سيضع اللوم على الولايات المتحدة» التي رفضت بيع تركيا صواريخ «باتريوت». وقال إن «الأطلسي لا يمكن أن يضحّي بتركيا المهمة جداً له». ووصف قره علي أوغلو القرار التركي بأنه «هدف روسي كبير» سجّله فلاديمير بوتين في مرمى الولايات المتحدة والغرب، وهو «الهدف الثالث بعد ضمّ القرم والتدخل في سوريا»، وبوتين «يواصل تسجيل انتصاراته الدبلوماسية بسبب تردد باراك أوباما وغياب الاستراتيجية لدى دونالد ترامب».
ويرى الكاتب في صحيفة «ميلليت»، تونجه بنغين، أن المسألة الأساسية اليوم هي أين ستنشر منظومة صواريخ «إس 400» وضد من. ويشير الخبير الاستراتيجي، العميد المتقاعد نعيم بابور أوغلو، إلى أنه في حال فرض عقوبات مشددة على تركيا، عليها أن «تظهر حقها المشروع في القيام بعمليات عسكرية ضد الإرهاب في شرقيّ الفرات». كذلك، فإنه في حال إصرار الغرب والاتحاد الأوروبي على إنكار حق تركيا في التنقيب عن النفط في شرق المتوسط، فإن «احتمال القيام بعمليات مضادة وارد جداً»، وهذا سيتحكم بتحديد الأماكن التي ستنشر فيها صواريخ «إس 400». وقد نشرت صحيفة «يني شفق» خريطة تظهر مكانين محتملين للنشر، واحد قرب أضنه، وآخر قرب إزمير، بحيث تغطي دائرة الكشف عن أي اعتداء مساحة جغرافية كبيرة من الشرق الأوسط وشمال إسرائيل وشبه جزيرة البلقان. ويرى بابور أوغلو أن التوتر في شرقيّ الفرات يزداد، خصوصاً مع إعلان واشنطن أنها دعت ألمانيا وفرنسا وبريطانيا إلى إرسال قوات إلى هناك لتحلّ محلّ الأميركيين، وهذا يعني أن الوصول إلى اتفاق مع تركيا بشأن تلك المنطقة وصل إلى طريق مسدود، ما يجعل احتمال قيام تركيا بعملية عسكرية هناك قائماً. وتركيا تحتاج إلى منظومة «إس 400» أيضاً في سياق «مكافحة الإرهاب».
ويربط رئيس دائرة الاستخبارات السابق في الجيش التركي، الجنرال إسماعيل حقي بيكين، بين استقدام الصواريخ واحتمال تعرض تركيا لهجوم يوناني ــــ إسرائيلي. وإذا كانت إيران اليوم ليست عدوة، «فمن يضمن غداً ما سيكون عليه موقف إيران من تركيا؟». كذلك، وبحسبه، فإن الصواريخ يمكن أن تأتي من جهة أرمينيا. وتركيا كانت تفتقد منظومات دفاع متطورة. فالطائرات الإسرائيلية يمكن أن تقلع من تل أبيب، ومن دون انتهاك الحدود التركية يمكن أن تطلق صواريخها من على بعد 150ـــ 160 كلم، بحيث لا يمكن سلاح الجو التركي أن يعترض تلك الطائرات. واستبعد بيكين أي احتمال لصدام تركي ــــ أميركي، فكلتاهما ليست لديها هذه النية لذلك. وقال إن شراء «إس 400» لا يستهدف الحرب مع أي دولة، بل الدفاع عن المصالح القومية لتركيا، وأن تكون تركيا جاهزة لصدّ أي اعتداء مفاجئ. وقال إن هذه الصواريخ ستزيد من قوة تركيا، ولها أهمية استراتيجية، بشرط أن تكون جاهزة للاستخدام بعد نشرها.
ويكتب سليمان سيفي أوزغي في «يني شفق» أن شراء صواريخ «إس 400» لا يعني تغييراً في استراتيجية تركيا، بل يعني «اتباع سياسة مرنة متعددة الاتجاهات، فهي ليست مرتهنة للغرب، وليس واقعياً الحديث عن توجه أوراسي». وتعيد الكاتبة عائشة غول دومان، في صحيفة «غازيتيه دوار»، أهم سبب لتفضيل تركيا صواريخ «إس 400» على «باتريوت» إلى «كلفتها الأقل بكثير من باتريوت». كذلك إن النظام الدفاعي لـ«الناتو» في تركيا لا يغطي سوى 30% من المجال الجوي التركي. وترى الكاتبة أن المسألة تُرى في «الناتو» على أنها «ثنائية بين تركيا والولايات المتحدة، لذا لن تكون لها انعكاسات على بنية الحلف، ولا على علاقة الحلف بتركيا، وأوروبا تحديداً تريد بقاء تركيا في الحلف لا خروجها منه».
ويرى جاهد أرمغان ديليك، في صحيفة «يني تشاغ»، أن شهر العسل مع روسيا «مصطنع»، وأن روسيا «تحاصر تركيا من سوريا وإيران وأرمينيا، وهذه فيها منظومات صواريخ أس 300… كذلك، يطور بوتين علاقاته مع إدارة مسعود البرزاني في شمال العراق». وقال إن «أكثر ما يثير الضحك والحزن معاً، اعتبار شراء إس 400 تعزيزاً للسيادة والاستقلال التركي». وأضاف أن «السبب الأساسي لشراء الصواريخ، رفض أميركا بيع تركيا الباتريوت، وليس العمل على السيادة والاستقلال… سنرى ما إذا كانت صفقة الصواريخ، التي لن تكون جاهزة للعمل إلا بعد 3 ـــ 4 أشهر عصا سحرية لحل مشكلاتنا الأمنية والدفاعية، أو أنها ستكون عصا غليظة ضد تركيا تدفع ثمنها باهظاً».
صحيفة الأخبار اللبنانية