رعد المانع يعاين “مرارة السنين”
“إلى مؤسسة نوبل السويدية ـ النرويجية: تفضلوا بقبول فائق تقديري، وتكرموا بمنح جائزة نوبل رمزية… للملايين من ضحايا الدكتاتوريات، فأكيد هنالك من بينهم من كان سيفوز بهذه الجائزة، لولا سيف الدكتاتور بعد نهاية الحرب العالمية الأولى وزوال حقبة الاستعمار العثماني البغيض، الذي محى مكنوننا العلمي والثقافي وأرهق مجتمعاتنا العربية لفترة زمنية لا يُستهان بها، وبعد هذه القرون الأربعة من العتمة حالكة السواد كالقير الأسخم، صحت مجتمعاتنا، كمن يبصر النور للوهلة الأولى. ماكنة تدفع بلا حصان، دواليبها الأربعة وهي تسير في طرقاتنا المتربة. وأخرى تهبط من السماء، لتحط على الأرض ويخرج منها بشر يحملون بنادق آلية “موتورليوس” بدلاً من الرمح والبارودة والسيف، فشعرنا حينها أننا كنا نائمين حتى منتصف النهار، والعالم صحى من الفجر قبلنا!
انقسمت مجتمعاتنا العربية إلى نصفين: الأول شمّر عن ساعديه وركض ليصعد بقطار التطور، وقال: اللحاق بالعربات الأخيرة من هذا القطار، لا يمنع من الوصول إلى المحطة القادمة والسير حاملا شخصيتي العربية مع المجتمعات المتطورة. وآثر النصف الثاني النوم حتى انتصاف النهار، كما كان حاله في العهد العثماني، بل وصعد في قطار آخر يسير في الاتجاه المعاكس، متأبطا العادات والتقاليد التي تشجع المجتمع على الكسل، ومتحججا بتلاوة انتقائية للآيات القرآنية، التي يفسرها بما يخدم مآربه فقط والاستغناء عن جميع ما يقض مضجعه من الآيات التي تحثه على العلم والمعرفة وحفظ الأمانة وعدم مد يده إلى المال العام وغيرها!
وللأسف انتصر النصف المتخلف والمناهض للعلم، المدعوم بالمكر والخبث والسرقة والجريمة، وانتفض معه من هم على شاكلته من العسكر؛ فقطّعوا أوصال الديمقراطية اليافعة، وحلّت علينا الدكتاتوريات القذرة، وحل معها من هم على شاكلتها. فما كادت أن تخرج مجتمعاتنا العربية من المستنقع العثماني، حتى سقطت ثانية في وحل الفقر والتخلف والعبودية. وهذه المرة تحت سلطة التعامل الشوفيني الفوقي من بعض أبنائها!
وأضحى الوطن سجنا كبيرا بشوارعه وحدائقه ومائه وهوائه، ومساكن المواطنين عبارة عن غرف اعتقال، مثبتة على أبوابها أسماؤهم. ولهذا يحتل الوطن المبتلى بدكتاتور معتوه، ذيل القائمة التي تضم بلدان العالم، وبكل شيء. لا علم ينتفع به، ولا حياة كريمة، حتى ولا قدرات عسكرية ترد الطامعين بالأرض، فليس من بين أولويات الحكم الدكتاتوري الاستفادة من قيمة الانسان العقلية، وهي وحدة قياس تقدم الشعوب بلا منازع، ويكذب من يقول لك: “إن البلدان تفوقت على أقرانها بالروحانيات والقوى الخفية!”
وبهذا تنكمش قدرات من يعيش في وطن القائد الحكيم الجبار، بلا شورة ولا مشورة ولا مستشار. والطامة الكبرى حينما ينهش أقرباء هذا الحاكم بلحم الشعب، كما ستعرفه عزيزي القارئ من أحداث هذه الرواية، رواية “مرارة السنين بعد انقلاب 14 تموز من العام 1958 في العراق.
ميدل إيست أون لاين