رفض نتنياهو لاتفاق وفق النار بجنوب سوريّة هو محاولةٍ لـ”ابتزاز″ واشنطن وموسكو

السؤال الذي ما زال ينتظر الجواب: لماذا اختار رئيس الوزراء الإسرائيليّ، بنيامين نتنياهو، الإعلان عن معارضة تل أبيب لاتفاق وقف إطلاق النار في سوريّة، الذي تمّ التوصّل إليه بين الولايات المُتحدّة الأمريكيّة وروسيا، خلال زيارته لباريس وبُعيد اجتماعه مع الرئيس الفرنسي عمانوئيل ماكرون، والذي، بحسب المصادر السياسيّة الإسرائيليّة الرسميّة، استمرّ أكثر من ساعتين.

هل كانت إسرائيل متردّدّةً في اتخاذ القرار؟ هل جاء هذا ارفض بعد أنْ قام قادة تل أبيب بإجراء محادثات مع كلٍّ من واشنطن وموسكو؟ وهل يتساوق هذا الموقف مع موقف مَنْ تُطلق عليهم الدولة العبريّة لقب الدول السُنيّة المُعتدلة، والتي ترى بنفس المنظار ما تراه تل أبيب: الاتفاق يُقّر بالتواجد الإيرانيّ في سوريّة، وبطبيعة الحال حزب الله، وتل أبيب والحلفاء العرب، المُعلنين وغيرُ المُعلنين، يرفضون ما يُسّمونه التمدّد الإيرانيّ في منطقة الشرق الأوسط.

وفيما يتعلّق بحزب الله، وجب التذكير بأنّ إسرائيل بحسب تقديرها الإستراتيجيّ ترى فيه العدّو رقم واحد، تليه إيران، وفي المكان الثالث حماس الفلسطينيّة، وبموازاة ذلك، في شهر آذار (مارس) من العام الماضي 2016، اتخذّ مجلس التعاون الخليجيّ قرارًا يعتبر حزب الله منظمةً إرهابيّةً، أيْ أنّ إسرائيل ودول الخليج تنظران وتتعاملان مع حزب الله بنفس العدوانيّة.

وبحسب مُراسل الشؤون السياسيّة في صحيفة (هآرتس) العبريّة فإنّ رئيس الوزراء نتنياهو، قال بعد لقائه الرئيس الفرنسي ماكرون، إنّ إسرائيل تعارض اتفاق وقف إطلاق النار الذي أنجز بين الولايات المتحدة وروسيا في جنوب سوريّة، زاعمًا أنّ الاتفاق المذكور يعمل على تكريس التواجد الإيرانيّ في هذه الدولة، على حد قوله.

وأضاف نتنياهو، بحسب الصحيفة العبريّة، أنّه أوضح خلال لقائه مع ماكرون أنّ إسرائيل تُعارض بشكلٍ قاطعٍ هذا الاتفاق. ونقلت الصحيفة عن مصادر سياسية وصفتها بأنّها رفيعة المُستوى في تل أبيب قولها إنّ إسرائيل تدرك نوايا إيران التوسعية في سوريّة، على حدّ زعمها.

علاوة على ذلك، أشارت الصحيفة العبريّة إلى أنّ المصادر عينها أكّدت على أنّ إيران معنية ليس فقط بإرسال مستشارين إلى سوريّة بل أيضًا الجيش الإيرانيّ بما في ذلك قواعد بحرية وجوية، لافتةً في الوقت عينه إلى أنّ خطوة من هذا القبيل ستؤدّي إلى تغيير صورة الوضع في المنطقة التي كانت سائدة حتى الآن.

ولفتت الصحيفة أيضًا إلى أنّه في وقت سابق، قال ماكرون بعد لقائه مع نتنياهو إنّ فرنسا مستعدة لقيادة ما أسمتها بالحملة الدبلوماسيّة لمعالجة التهديد الذي يشكّله سلاح منظمة” حزب الله في جنوب لبنان، على حد قول الرئيس الفرنسيّ.

ولكن، من المُرجّح جدًا، أنّ معارضة اتفاق وقف إطلاق النار في جنوب سوريّة من قبل تل أبيب مرّده أنّ صنّاع القرار في الدولة العبريّة توصلوا إلى قناعةٍ تامّةٍ مفادها أنّه في الحلّ السياسيّ الذي قد يتبلور في سوريّة، لا مكان لإسرائيل فيه، وبالتالي من أجل “حجز مكان” في الحلّ أوْ في المفاوضات، أعلنت عن رفضها للاتفاق، على أمل أنْ رفع سقف مطالبها سيُجبر الروسي والأمريكيّ أنْ يأخذا بعين الاعتبار اللاعب الإسرائيليّ، الذي وجد نفسه يجلس بصعوبةٍ بالغةٍ على دكّة الاحتياط.

بالإضافة إلى ما ذُكر آنفًا، يجب التذكير بما كانت مصادر عسكريّة إسرائيليّة رفيعة قد أكّدت عليه أخيرًا، حول ضرورة أنْ تكون القوة الضامنة والمراقبة لوقف النار في الجنوب السوري قوة صديقة وحليفة وتراعي المصالح الإسرائيلية مباشرة، ومن دون التزامات مقابلة تجاه أعداء إسرائيل. هذه الجهة، كما فصّلت المصادر العسكريّة الإسرائيليّة، تنحصر في الجانب الأمريكيّ فقط، بكلماتٍ أخرى، على الرغم من التفاهمات بين تل أبيب وموسكو، فإنّ نتنياهو لا يثق بالروس، وتحديدًا لأنّهم لا يعملون على وقف التمدّد الإيرانيّ في سوريّة، كما أنّهم يسمحون لحزب الله بالمحاربة إلى جانبهم، الأمر الذي يُكسب مقاتلي حزب الله خبرةً قتاليّةً كبيرةً، على حدّ قول المصادر العسكريّة في تل أبيب.

وغنيٌ عن القول إنّ السيناريو الأسوأ بالنسبة لإسرائيل هو إنشاء إيران لقاعدة جويّةٍ وبريّةٍ في سوريّة، بالإضافة إلى قيامها مع حزب الله بالاقتراب أكثر من جيش الاحتلال، الذي يُرابط في الجزء المُحتّل من هضبة الجولان العربيّة-السوريّة، ولا تُخفي تل أبيب خشيتها من إقدام حزب الله، مدعومًا من طهران ودمشق بفتح جبهةٍ جديدةٍ ضدّ الدولة العبريّة من مُرتفعات الجولان، على غرار ما فعله حزب الله في الجنوب اللبنانيّ، الذي كان مُحتلاً من قبل إسرائيل، حيث أرغمت دولة الاحتلال على الـ”هروب” من المنطقة في أيّار (مايو) من العام 2000 بقرارٍ من رئيس الحكومة الإسرائيليّة آنذاك، إيهود باراك، الذي يُطلقون عليه في تل أبيب لقب سيّد الأمن.

صحيفة رأي اليوم الألكترونية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى