رمـضـان آخـر
ها هو الشهر الكريم يزورنا كالعادة ، رمضان شهر الصيام و البركات و الذكريات…
بلى هي الذكريات ما يدفعني للكتابة عن هذا الشهر ، و ذلك لأنني من خلال هذه الذكريات تهاجمني غيوم سوداء تكاد تفسد علي كل ما يحمله هذا الشهر الكريم من إمتيازات …
كان رمضان شهرا لطيفا فيما مضى بتقاليده الشعبية و متطلباته الإجتماعية المتنوعة و غيرها من طقوس و عادات … أما الأن فكيف أصف هذه المناسبة في كوابيس الرعب و الغلاء الفاحش و غيرها من منغصات تسلب الكثير من الطاقة هذا الشهر …
أمس مثلا و أنا مستغرق في نومي إذ بي أهب مذعورا على دوي إنفجار شديد أعقبه إنفجارات أخرى أقرب و أشد حتى لقد شعرت كما لو أنها وقعت قريبا من الحي الذي أقطن فيه في “المزة” … همست لزوجتي : هل سمعتي ما أسمع ؟… فأجابتني على الفور : بالطيف كأنها فوق رؤوسنا!…
لم نستطع متابعة نومنا في تلك الليلة … التي تكررت أكثر من مرة … و قبل أمس مدت لي زوجتي ورقة خطت عليها مطالبها المتنوعة مع مقدم رمضان و هي تقول : كلها لازمة … ما عندنا شي !..
أخذت الورقة و حين راجعتها أخذت من مدخراتي أربعين ألف ليرة و خرجت بها إلى السوق …ياللهول ذاك المشوار …الأربعون ألفا طارت كلها و حين عدت إلى البيت إستلمتني ” أم المؤمنين” على الفور بقولها : يعطيك العافية … و لكن ما نزال بحاجة لأغراض أخرى لا بأس من تأجيل شرائها إلى يوم آخر…
وحين فتحت التلفزيون أرعبتني الأخبار من هنا و هناك حين شاهدت جنود الإحتلال الإسرائيليين يطلقون النار على المتظاهرين المدنيين من أهل الضفة و غزة الذين لا يملكون سوى الحجارة الصغيرة يطلقونها و قرأت أن عدد القتلى وصل إلى الخمسين مع مئات الجرحى … و هكذا صرخت يا ساتر … كيف لنا أن نفرح بعد كل هذا بمقدم رمضان و بأية لغة نرد على مباركة الأقرباء و الأصدقاء ؟!
أنا شخصيا و قد بلغت التسعين عاما لم يعد في إستطاعتي أن أصوم و لهذا فأنا أكتفي بشرب الماء فقط بسبب الأدوية المتنوعة التي أتناولها في أوقات ثابتة متباعدة … و لكنني أمتنع عن الأكل كي أحتفظ بشهيتي حين أجلس مع الصائمين و قد تنازلت عن زعامتي للمائدة كما كان عهدي بها في سنوات الصحة الجيدة و الشباب المتوثب …
و لكن ماذا أصنع في الليل ؟ و كيف لي أن أطمئن إلى سلامتي و سلامة أسرتي مع الإنفجارات التي تدق طبل السحور فوق رؤوسنا … و ماذا أفعل لتوفير المال الكافي لشراء الأغراض التي ما نزال نحتاج إليها في خضم هذا الغلاء الفاحش للأسعار المتزايدة و المتراكمة منذ سنوات … و بأي وجه بشوش نستقبلك إذن أيها الشهر الكريم؟ أما آن لهذه المحنة التي صار عمرها ثمان سنوات أن ترحل عنا كي نفرح حقا بشهر رمضان و الأعياد القادمة بعده ؟ … لقد نسينا الفرح في بلاد كانت تفرحنا حقا … ثم صارت بلادا للحزن و الفجيعة و الرعب!