رهاب السعادة في لوحات فنانة فرت من حلب!
دمشق ــ خاص بوابة الشرق الأوسط الجديدة :
تعرفت على الفنانة التشكيلية تسنيم شرف القادمة من مدينة حلب السورية من خلال لوحات الكاريكاتير التي كانت ترسمها للموضوعات الصحفية ، وهي موضوعات مفقودة في الصحافة السورية، حيث تعيد بناء بورتريهات خاصة للشخصيات السياسية والفنية والاقتصادية على نحو ساخر يجمع بين الفن والصحافة التي تحتاج إلى المباشرة والسخرية في محتوياتها .
اختفت تسنيم مع لوحاتها تلك، وكأن الصحافة لم تحقق لها ماتريده من دفق فني يشتعل بموضوعات داخلها المعبرة، فإذا هي ــ أي الموضوعات ــ تتدفق لتكسر الأوهام السائدة في الفن الكسول الذي لايملك أي مقدرة على إثارة من يتفاعل معه ، وإذا بها تدعونا إلى معرض تشكيلي تحت عنوان ( الشيروفوبيا) ، أي رهاب السعادة، وفي معرضها (كماشات) تتأبط بالمشاهد وتأسره وتقول له : من فضلك توقف لتقرأ ما تحمله هذه اللوحة أو تلك ..
كتبت تسنيم شرف على صفحتها كلاما بسيطا، وبالعامية، يقدم مفاتيح لقراءة ماتريده عن الشيروفوبيا ، فقالت : “كلنا منحب نكون سعيدين بحياتنا ومنبحث عن السعادة بطرقنا المختلفة .. ممكن بالرسم.. بالرقص بالموسيقا ..بالسفر ..بتحقيق الحلم … الا حدا وحيد مصاب بمرض الرهاب من السعادة ..”
وأضافت:
“حبيت جسّد هالحالة بألواني وطريقتي”
فماهي طريقة تسنيم شرف، وماهي ألوانها؟ هذان السؤالان يفتحان على ممر ضيق وصعب يذهب إلى مجاهيل التحليل النفسي الوحيد القادر على قراءة لوحات الشيروفوبيا هذه، ففي طريقتها نموذج واحد للتعبير هو : المرأة، والمرأة كما تكشفها الخطوط والألوان مكبلة بالخوف من الرغبة، تحمل ذات الملامح في كل اللوحات، وتختلف التعابير بين واحدة وأخرى، إلى الدرجة التي تبدو فيها المرأة بمثابة الجسر الواصل إلى الفرح الذي نخاف منه نحن المصابون بالشيروفوبيا .
كيف تحركت المرأة في اللوحات السحرية الجريئة التي تظهر لأول مرة خلال سنوات الحرب السبع في سورية ؟
هي امرأة عميقة الأغوار، تحمل في داخلها معاناة غريبة، فتكشف دون أن تدري أن سر الأسرار، الذي يخفيه الشيروفوبيا هو “الرغبة”، وهي إمرأة تختفي الدهشة منها، وعندما تختفي الدهشة في ملامح امرأة من هذا النوع، فهذا يعني أنها استبدلتها بملامح أخرى تحمل الكثير من المعاني، لكن الدهشة هناك في الداخل حيث أخفاها الرهاب .
تختلط الألوان في اللوحات ، لكن أساسها متقارب يولد نفسه بنفسه، يذهب إلى الأزرق والأبيض والأخضر، لاحظوا هذه الألوان وماتحمله من معاني ، في لوحة واحدة فقط يتوهج فيها اللون الناري فيختلط بين ملامح الأنثى ومحيط الوجه المزين بالورود المشتعلة .
نوع جديد من التعبيرية التي تكشف مخبوءات المرأة وهي في لحظة إخفاء السعادة . وثمة لوحة سحرية هي لوحة العارية ، وفي لوحة العارية ينتج الرهاب بديلا عن الرجل هو النسر، فالنسر يحرس الجسد، ويحرس أنوثته، ويتركها وقد أطفأتها السعادة حتى الآخر !
وقد ظهر النسر أكثر من مرة، لكنه في لوحة العارية كان الأقدر على التعبير، وفي لوحة أخرى تتحول المرأة إلى طائر من الرغبة، يحاول هذا الخليط الأسطوري (المرأة الطائر) يحاول الطيران . لكنه مشدود إلى أسفل اللوحة، فلا نعرف هل يطير أم يقعده الرهاب عن محاولة الطيران، وفي تفاصيل الخطوط تظهر المحاولة، وكأنها تغلبت على الرهاب!
أما مسألة الورود ، فهي نوع من الغطاء على فكرة السعادة عند المرأة، فأجمل المعاني التي يحملها الورد هو الفرح أو السعادة، ولكي يكسر الوعي حقيقة الفكرة، يقوم بعملية استبدال فتظهر الورود في كل اللوحات، لتتحدى الرهاب، لكن كيف تظهر الورود؟
الورد يأخذ من لون اللوحات ولايعطيها من لونه ، اللهم إلا في لوحة واحدة يحاول الورد أن يظهر ألوانه فنراها مختلطا بالأنثى، وفي لعبة الورد هواجس أخرى يمكن البحث عنها في لوحة المرأة المزدوجة، ففي المرأة الأصلية تفرض علينا الألوان أن نقرأ معنى الاحتراق والخوف معا، وفي المرأة الخلفية تبرز السعادة كاملة مع ألوان الورد وانطفاء الرغبة بانحناءة الخجل ..
إن لوحات تسنيم شرف المعروضة في المركز الثقافي في أبي رمانة هي محطة تشكيلية بارزة من محطات الفن في ظل الحرب ، وهي بالتالي تجربة تعبيرية خطرة تحمل تأثيرات من المدارس العالمية والمحلية دون أن تفقد أسلوبها الخاص !